تعتبر جريمة الرشوة من أسوأ صور الفساد الإداري الناتج في الأساس من الخلل في ميزان القيم الاجتماعية، حيث يرتفع أصحاب الإجرام والنفوذ في المجتمع بسبب علاقاتهم المشبوهة على حساب حقوق بقية المواطنين الشرفاء، ومما يلمسه أي مواطن في بعض الأحيان في الحياة اليومية أنه قد لا يمنح المواطن العادي حقه في إنهاء معاملته في الوقت الطبيعي لانشغال الموظف بخدمة من لهم مصلحة معه مثلا، دون مراعاة للترتيب الزمني للمعاملات التي أسندت إليه، ويختلف المقابل الذي يتحصل عليه الموظف فقد يكون ماديا أو معنويا وتختلف الميزات المعنوية إلى أنواع كثيرة لكنها في آخر الأمر لن تخرج من كونها الرشوة التي ورد فيها الحديث النبوي عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قال (لعن الله الراشي والمرتشي والرائش الذي يمشي بينهما). والمنظم السعودي حرص على تجريم الرشوة بصورها المتعددة لسد الطرق الاحتيالية للمجرمين على نصوص النظام الخاص بمكافحة الرشوة والذي نص في مادته الأولى على أن (كل موظف عام طلب لنفسه، أو لغيره، أو قبل، أو أخذ وعداً، أو عطية، لأداء عمل من أعمال وظيفته ولو كان هذا العمل مشروعاً، يعد مرتشياً، ويعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز عشر سنوات، وبغرامة لا تزيد على مليون ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين، ولا يؤثر في قيام الجريمة اتجاه قصد الموظف إلى عدم القيام بالعمل الذي وعد به) ومتى توفرت جميع أركان جريمة الرشوة استحق مرتكبها العقاب، ولم يكتف النظام بتجريم الصورة التقليدية لجريمة الرشوة بل تعدى ذلك لتجريم جميع الصور الأخرى الحديثة التي أصبحت تغلف بأغلفة براقة حيث جرم مجرد الاستجابة لرجاء أو التوصية أو وساطة كما جعل قبولها كافيا للتجريم بل حتى مجرد الوعد ولو لم يتم بعد القبض على مبالغ مالية، وكذلك العرض حتى وان لم يقبلها الطرف الآخر كما نص عليه نظام الرشوة في مادته التاسعة (من عرض الرشوة ولم تقبل منه).. وحفاظا على نزاهة الوظيفة العامة وحق المساواة بين المواطنين فقد نصت المادة الرابعة من النظام على أن (كل موظف عام أخل بواجبات وظيفته؛ بأن قام بعمل أو امتنع عن عمل من أعمال تلك الوظيفة، نتيجة لرجاء، أو توصية، أو وساطة؛ يعد في حكم المرتشي ويعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات وبغرامة لا تزيد عن مائة ألف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين) ويتمثل الركن المادي لجريمة الرشوة في فعل الموظف العام الذي يصدر منه سواء كان طلباً أو قبولاً أو أخذاً، أما القصد الجنائي فيتحقق باتجاه إرادة الجاني إلى فعل جريمة الرشوة عالما بأنها مقابل استغلال وظيفته العامة، ومتى ثبت استغلال الموظف العام لنفوذه وموقعه الوظيفي لتحقيق منفعة بدون سبب مشروع، وإذا صدر الإيجاب فلا يلزم أن يعقبه قبول من الراشي، بل أنه يكفي لتحقق جريمة الرشوة كاملة قبول الموظف الوعد بالعطية حتى وان لم تتحقق النتيجة. ونخلص إلى أن معالجة جريمة الرشوة والتقليل من آثارها السلبية لا يتحقق بمجرد تجريم صورها وأشكالها دون علاج مسبباتها، فقلة الوازع الديني من أعظم أسبابها، فمن يعلم يقينا بأن الله لعن الراشي والمرتشي على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم لا يقدم على الرشوة ابتداءً، ونعتقد أن العلاج يبدأ بزيادة الوعي الديني بخطورة هذه الجريمة على الفرد والمجتمع، وكذلك دعم وتكثيف جهود أجهزة الرقابة والمتابعة والتحقيق، وتفعيل الغرامات في الجرائم البسيطة المتكررة لتوفير عنصر الردع والفائدة للخزانة العامة، ويحد في الوقت نفسه من استشراء هذه الجريمة التي يتخذها الموظف المرتشي وسيلة للإثراء بلا سبب مشروع، وبالمقابل لا ننسى تحسين الأوضاع المادية والوظيفية للموظفين المستهدفين للوقوع في جريمة الرشوة نتيجة ضغوط الحياة المادية. وتبقى القضية الأهم في المعالجة هي إيجاد مساحة من المرونة في الأنظمة والإجراءات التي تمس احتياجات المواطنين حتى لا يضطر أحد لإنهاء مصالحة بطريقة غير مشروعة. @ المحامي