أزمة الخبز هي أزمة مفتعلة، هذه هي النتيجة التي خلص إليها كل مسؤول له علاقة من قريب أو بعيد بأزمة الخبز، مطاحن، صوامع، مخابز مستوردي وباعة دقيق، وغيرهم.. لكن الواقع يخبرنا أنها وان كانت أزمة مفتعلة فلازالت أزمة، مازال على أرض الواقع هناك مخابز تغلق أبوابها ومخابز تقنن حصة كل مشترٍ وأخرى خفضت في وزن الرغيف أو عدد الأرغفة لكل ريال.. مازالت ربات البيوت في الأماكن المختلفة يعبئن سلالهن بالخبز لكي يحتفظن به في المجمدات في بيوتهن تحسباً ليوم ترسل فيه الواحدة منهن ابنها ليشتري الخبز فلا يجد.. الأمر إذن جاد جداً وليس مجرد أزمة مفتعلة فالمستهلك لا يهمه ما وراء الكواليس لكن يهمه ما يشاهده، ما يلمسه وما يدفعه مقابل ما يحصل عليه.. لم تعرف المملكة من قبل أزمة خبز، لم نرَ أبداً صفوف وطوابير الناس أمام المخابز، كانت أهم شهادة لكل مقيم على أرض المملكة ان الخبز هنا يختلف عما يجدونه في بلادهم كماً وكيفاً وأنواعاً وأنه متوفر بكثرة وتقريباً مجاناً فمقابل ريال واحد تحصل الأسرة على ما يكفيها ليوم.. فما الذي حدث.. وكيف تقافزت أرقام المخابز التي تقفل بل كيف انضم المخبز إلى المشاريع التي تفشل وتغلق أبوابها وقد كان هو المشروع الوحيد الذي لا يغلق؟ معروف أن الوجبة الرئيسية للشعب السعودي هو الأرز لذا فما أن بدأت ترتفع أسعاره حتى استشعر الجميع خطراً وساهمت مبادرة خادم الحرمين الشريفين بدعمه في تخفيف حدة الخوف والقلق، وكان الخبز هو المنطقة الآمنة التي لا يفكر أحد أنها ستتعرض للخطر في يوم من الأيام فهو رقم 2على المائدة السعودية وربما لم يكن يلتفت إليه الناس كثيراً لأنه ببساطة موجود.. الآن أصبح الأمر مختلفا.. الآن أصبح الإفطار والعشاء هما الوجبتان الأبرز على الساحة لأن البطل الرئيسي فيهما وهو الخبز قد أصبح شحيحاً.. والخوف عدوى والشعور بالرغبة في الاطمئنان فطرة، لذا فقد ساهم الناس بشرائهم المبالغ فيه للخبز لغرض تخزينه في استفحال المشكلة وتحويلها من أزمة مفتعلة إلى أزمة حقيقية.. ولا أدري على من نضع اللوم حقاً ولا يعنيني من المتسبب فالمفترض أن هناك جهات مهمتها الرئيسية ملاحقتهم والضرب على أيديهم بقوة وإعادة الأمور الى نصابها الطبيعي ولكن.. هل الأزمة في الخبز تحمل رسالة بأن هناك قائمة أغذية في طريقها إلى خوض تجربة الأزمات.. بل هل القائمة تحتوي فقط على أنواع الأطعمة التي تعاني من ارتفاع الأسعار أصلا؟ هل سنجدها بعد قليل تطال كفرات السيارات أو العطور أو المنظفات أو القماش أو الملابس أو الأجهزة الكهربائية.. الخ. هل لدى صانعي الأزمات قوائم؟ ولمَ لا؟ إذا كانت الأجهزة المعنية لا تتحرك إلا بعد وقوع البلاء وإذا كنا لا نعرف مبدأ الوقاية، أو نعرفه لكننا لا نطبقه من باب الثقة وأحيانا الغفلة.. أزمة الدقيق ومن خلفه الخبز ليست مجرد جرس إنذار وإنما هي خط أحمر ينبغي الاحتراز من استمراره أو تكراره فالغلاء وحده كافٍ لأن يعبث بالفواصل بين الصح والخطأ ويهز القيم ويتيح للضعفاء دوافع لأن يكونوا أنانيين بالقدر الذي يهدد التنمية ويهدد التقدم فما بالنا بالنقص أو الاختفاء؟