أكد الأمين العام للندوة العالمية للشباب الإسلامي بمنطقة مكةالمكرمة الدكتور محمد بن عمر بادحدح، بأن كثيراً من المؤسسات الخيرية، تتجه نحو الخروج من النمطية التقليدية في إدارتها للعمل الخيري والتي تحول بينها وبين مواكبتها لتطورات العصر. فقد بدأت بتحسين الأداء وتغيير آلية العمل، من خلال عناصر شابة متفتحة دخلت الميدان التطوعي، وهي تحمل ثقافة التطوير وتفعيل الإمكانات للنهوض بالعمل الخيري. وعلي رأس هذه المؤسسات تأتي الندوة العالمية للشباب الإسلامي كأعرق المنظمات الشبابية الرائدة في مجال العمل الخيري التطوعي، والتي تتبنى كثيراً من المشاريع التربوية والتنموية، التي تحقق رؤيتها ورسالتها في إعداد الكفاءات المؤهلة من الشباب المسلم بالتربية والتعليم والتأهيل. حيث خرّجت كثيراً من الطاقات المؤهلة على مستوى الدكتوراه والماجستير، والآلاف على مستوى البكالوريوس، وكثير من مخرجاتها تبوؤوا مواقع مؤثّرة في مجتمعاتهم، وكسبوا من خلالها مكاسب للمسلمين خاصة في دول الأقليات، وكسبوا أيضاً لمجتمعاتهم في دول الأكثرية من خلال فكرهم وعلمهم وثقافتهم، بل أضافوا إضافات واضحة لخدمة أبناء بلادهم في مجالات تخصصاتهم الثقافية والعلمية والاجتماعية. وحول مستقبل العمل الخيري، وتطورات سيره وما يعوقه من مصاعب وعقبات، كان لنا هذا الحوار مع أمين العام المساعد الندوة العالمية للشباب الإسلامي والمشرف العام على مكتبها بمنطقة مكةالمكرمة. @ تتحدثون عن إسهامات للندوة في تنمية قدرات الشباب، كيف يتم ذلك؟ - بداية الندوة منظمة شبابية.. من خلال اسمها، ومنظمةٌ عالمية، تعنى بالشباب المسلم، وإنجازاتها في هذا المجال كبيرةٌ جداً، وذلك بامتداد عمرها 36عاماً قضتها وهي تنشط في مجال خدمة ورعاية الشباب من خلال التعليم والتأهيل وبناء القدرات، كما أنها لم تغفل دور وأهمية الأنشطة والبرامج الترفيهية الممتعة والهادفة في جو شبابي مفعم بالحيوية والنشاط، لتهيئتهم للمساهمة في النهوض بأنفسهم ومجتمعهم. @ الندوة منظمة شبابية وفي نفس الوقت تقدم كثيراً من الخدمات والمساعدات الإنسانية..فهل يعد ذلك خروجاً عن أهدافها ؟. - إذا كانت هذه الخدمات والمساعدات محسوبة في رؤيتها وفي خطتها بحيث لا تخل بالهدف الرئيسي ، فليس في ذلك حرج أو خروج عن التخصص.. ولكن الإشكال الحقيقي الذي قد تقع فيه الندوة أو أي منظمة أخرى، بأن تدخل في كل مجال بلا حساب وبلا ضوابط وبلا قيود ولا نسب محددة ومخططة مسبقاً ولا مرجعيات.. فينتهي بها الأمر أن تبتعد عن تخصصها وتدخل في أمور أخرى لا علاقة لها بها. لكن.. في بعض الأحيان قد تمارس منظمة ما بعض ما يبدو للوهلة الأولى أنه خارج تخصصها.. وهنا عليها في إطار رؤيتها الواضحة والمحددة ، أن تمارس هذه الأشياء بما يخدم تخصصها دون أن يبعدها ذلك أهدافها رسالتها. ففي الكوارث والقضايا الإنسانية مثلاً نجد الجانب الشبابي موجوداً ومتمثلا ، وتستطيع الندوة من خلاله أن تمارس هذه الأنشطة ، وفي الوقت نفسه ، تكون في المجال الشبابي دون أن تخرج عنه، هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإن الشباب لايوجد في بيئة منعزلة فهو يعيش في أسر ممتدة، وفي حالات إنسانية كهذه لا يمكننا عزل الشباب ومخاطبته بعيداً عن أسرته المنكوبة واحتياجاتها الإنسانية الضرورية، فلا يقبل إنسان بذلك ونحن كذلك كمنظمة إنسانية لا نقبله أيضاً. @ هل يتسبب ذلك بإعاقة الندوة عن تحقيق رسالتها في النهوض بالشباب ؟. - إطلاقاً بل على العكس.. فكما ذكرت يخدم المجال الشبابي بحيث لو أنك أخذت في المواضيع الإنسانية ما يتعلق بالشباب وركزت عليه فهو في تخصصك. وعند الكوارث والأزمات وكل الأعمال الإنسانية من الإغاثة والتغذية والإعاشة والكساء وغير ذلك، ثم استهدفت بها شريحة الشباب، فأنت مازلت في تخصصك. @ في ظل ما يعانيه العالم من موجات العنف والإرهاب، أين ترون دور الندوة في حماية الشباب من التطرف والانحراف الفكري والسلوكي ؟. - نحن نرفض الإرهاب الذي يصيب الناس المسالمين في أهليهم وأموالهم بغير ذنب ولاحق ، سواء كان صادراً عن فئة تدعي أنها عقائدية أو ذات انتماء وثني..فهذا شيء مرفوض لا تقرّه شريعة من الشرائع، ونحن نرى أن لأعمالنا وبرامجنا دورها الكبير والفاعل في محاربة الفكر المتطرف أو المنحرف بكل أشكاله ، لأن الإرهاب يعتمد بصورة أساسية على الشباب مغرر به وصولاً إلى الانحراف الفكري أو السلوكي، والندوة في برامجها، تحرص على خدمة الشباب ورعايته من مختلف الجوانب الفكرية فتقدم له الفكر الوسطي لتحصينه من الأوبئة الفكرية والأخلاقية والسلوكية الغريبة والدخيلة ، من خلال العديد من البرامج والأنشطة والفعاليات الشيقة والمفيدة بأساليب شبابية في بيئة ممتعة وهادفة، وعلى مختلف المحاور التي يحتاجها الشباب من برامج تربوية، وأنشطة توعوية، تخلق منه نموذجاً وبناءً وصالحاً لنفسه ومجتمعه، فالشباب هم نصف الحاضر وكل المستقبل. @ هناك من يتهم بعض المؤسسات الخيرية بأن جهودها تنصب على الخارج؟. - كان ذلك صحيحاً في مرحلة من المراحل ، ولكنه تغيّر الآن. ورغم ذلك فلم يكن للندوة فيه أي اختيار، فالمملكة ليست أي دولة بالنسبة لباقي العالم الإسلامي، فهي مهبط الوحي ومهد الرسالة الإسلامية وقبلة المسلمين الأولى ومهوى قلوبهم وأفئدتهم . الأمر الذي فطن له قادة هذه البلاد حفظهم الله ورعاهم، فقاموا بدورهم بتسطير صفحات مشرقة بتقديم الدعم الكبير بكل سخاء وكرم لمختلف دول وشعوب العالم الإسلامي ، سواء على صعيد دعم جهود التنمية فيها، فقدمت مملكتنا الحبيبة على مدى عشرات السنيين عشرات مليارات الدولارات للمساهمة في نهضة إخواننا وأشقائنا في العديد من البلدان الإسلامية، وكذلك في مجال إغاثة الملهوف وهو من باب أولى. وهذا إنما يأتي في إطار واجب التكافل والتضامن بين الأمة الإسلامية التي أمرنا الله به، وشكر لله على نعمه التي أنعم بها علينا من غير حول لنا ولا قوة. كما كان لهذه الجهود أثرها الطيب بغرس أبلغ الأثر في نفوس المسلمين حول العالم تجاه المملكة وشعبها وقيادتها، وهو ما تقوم به العديد من الجهات الدولية الفاعلة في العالم وتنفق في سبيله المليارات، والذي بات يعرف باسم (الدبلوماسية العامة) أو (الدبلوماسية الشعبية)، والتي يكون لها أبرز الأثر في ترسيخ صورة ذهنية إجابية وطيبة بين الشعوب إزاء دولة معين أو شعب معين. ورغم أننا كمسلمين نبتغي رضى الله فقط من وراء أعمالنا ولا نبتغي شيئاً سواه ، إلا أن الله بفضله ومنته يكرمنا بهاتين الحسنيين رضاه سبحانه وتعالى ثم حب الناس ، عبر التزامنا بواجب التكافل والتضامن الإسلامي، وبذلك يتحقق لبلادنا ولله الفضل والمنة أن التعاضد والتكامل بين الدبلوماسيين وصولاً إلى الصورة المشرقة لمملكتنا الحبيبة على المستوى الدولي، الأمر الذي تجهد العديد من القوى الدولية الكبرى للوصول إليه دون تحقيقه. ورغم جميع ما سبق أعود فأقول إن الندوة لم تهمل يوماً ما الداخل في أعمالها السابقة، بل كان لها مئات الأنشطة والبرامج أنفقت عليها عشرات الملايين واستفاد منها عشرات آلاف الشباب من الجنسين. وقد أخذت على عاتقها في الآونة الأخيرة زيادة هذا التركيز الداخلي لعوامل موضوعية عديدة ، فكونها منظومة عمل وطني ومؤسسي، هذا يعني أنها تقوم بعلميات مراجعة وتقييم لكل مرحلة من مراحل عملها، وأن لكل مرحلة ظروفها وأدواتها ووسائلها. وكان أن ارتأت في إطار خطتها الإستراتيجية الأخيرة والتي عكفت على إعدادها وتطويرها لسنوات عديدة، العودة للتركيز على رؤيتها ورسالتها الشبابية ولاسيما تجاه شباب الداخل ومن الجنسين. علاوة على العوام الأخرى كتسارع الإنفتاح العالمي ، وانتشار ثقافة منظمات المجتمع المدني ، وإدراك أهمية دورها في الإسهام التنموي ، وظهور التوجيه المحلي الجمعيات والمنظمات بالعناية بالداخل والعمل فيه، فبدأت توجهات الندوة بتركيز نشاطها للعمل في الداخل أكثر من السابق،والذي لم يكن غائباً في يوم من الأيام السابقة عنها . @ تتهم كثير من المؤسسات الخيرية بأنها تسير على نمطية ثابتة تقليدية جعلتها عاجزة عن مواكبة المتغيرات المتسارعة في المجتمع ؟ . - هذا كلام صحيح وقائم بالفعل وموجود في كل المنظمات التي أعرفها على الأقل..لكن حقيقة كثير منها إن لم يكن كلها أخذت تتحرك من هذه القوقعة عن طريق رجالها الذين بدأوا يفكرون في كيفية تحسين الأداء وتغيير الآلية ، من خلال عناصر شابة بدأت تدخل الميدان وتتولى مسئوليات هنا وهناك.. ومن خلال طرح الثقافة التي بدأت تروج في المجتمعات الإسلامية حول ثقافة التحسين والتطوير في الجودة..فالجميع بدأوا يدخلون في هذا المسار بلغة عصرية ويبحثون عن طرق التحسين والتطوير وتفعيل الموارد والمراسلات والتعامل مع الواقع الجديد المتطور. @ هناك الكثير من الهيئات والمنظمات والمؤسسات الخيرية الحكومية وغيرها ، فهل تسعى الندوة إلى التنسيق معها بقصد المزيد من الفعالية والإنجازات التنموية ؟. - هذا جزء من استراتيجية من إستراتيجيات الندوة الأربعة التي وضعتها كخطة عمل في السنوا القادمة ، فنص الإستراتيجية الرابعة تقول بالحرف (تعميق التواصل) ويكون بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، وفي كل المحاور ومع كل الجهات المنافسة والمانحة والمتعاونة والمتآزرة، وتعميق الإتصال مع المجتمع المدني، الذي توجد وتعمل فيه. ولا شك أن الندوة قامت على فكرة تجميع طاقات وإمكانات الجمعيات والهيئات الشبابية في العالم الإسلامي، لتكوين هذه المنظمة فهي تجمع لمنظمات شبابية من مختلف أقطار العالم الإسلامي بلغ تعدادها 500منظمة من مختلف أنحاء العالم الإسلامي وبلاد الأقليات المسلمة في أوروبا والأمريكيتين، وهي تمثل الجمعية العمومية للندوة فهي أصلاً قائمةٌ على التنسيق. وحالياً تؤكد على استراتيجيتها التنسيقية في دورتها الحالية ،على تعزيز التعاون للمنظمات الأعضاء في الندوة بصفة خاصة ، والمنظمات الإسلامية الأخرى بصفة عامة ، أما الجهات الرسمية فلا يتم التعاون إلا من خلالها، وفي كل دولة تعمل فيها الندوة لديها تقرير رسمي بصورة منظمة ومستمرة وتبنى معها علاقات تعاون وتفاهم. @ هل لديكم تصورات جديدة بخصوص تنمية العمل الخيري والتطوعي في المملكة والعالم العربي والإسلامي ؟. - هناك مقترحات كثيرة جداً تحتاج للتنظيم والتقنين، فمشكلتنا في العالم الثالث عموماً ومنه العالم العربي والإسلامي هو تأخرنا بعض الشيء في مجال الأنظمة القوانين..مقارنة بالدول الأخرى كالدول الغربية، فإن أي تطور في مجال الأنظمة والقوانين فسنعكس ذلك على مختلف مجالات الحياة لدينا ومنها بكل تأكيد العمل الخيري والتطوعي. @ هل لديكم خطة لتوسعة أنشطتكم التنموية لدول جديدة؟. - هذا طموح كبير، لكن لا أتوقعه في الوقت الحالي، فالندوة الآن معنية بالتوسع الأفقي في الدول التي تعمل بها، وأغلبها محتاج لتوسع رأسي. بمعنى أن نرجع لمكاتبنا ونعمّق جذورنا هناك ونطوّر مكاتبنا وأدواتنا وآلياتنا، ونوجد لأنفسنا جذورا أقوى في تلك المجتمعات من خلال أعمال وأنشطة مستمرة ومرافق قائمة عينية تدير العملية التنموية الشبابية سواء أكانت مدارس، أو معاهد تدريب أو أكاديميات أو كليات. وبعد هذه العودة، وتجذ ير أعمال الندوة وجهودها في الدول التي توجد فيها يمكن أن ننطلق إلى دول أخرى وآفاق جديدة، بعد أن نكون قد أسسنا قاعدة قوية في تلك المناطق. وهذه إحدى الخطوات التي يأخذها من يريد أن يثب وثبة كبيرة ليأخذ منها العزم، ونحن نعمل بأناة في أعمالنا الراهنة قليلاً لنؤسس لأول مرة مكاتب إقليمية، بحيث تتولى في كل إقليم من الأقاليم التي تعمل فيها الندوة الإشراف والرعاية على مكاتب الندوة والجمعيات الموجودة في كل الأقاليم بما تضمه من دول عديدة. وهذا المكتب سيكون مختلفاً بإمكاناته وتجهيزاته من ناحية قاعة المحاضرات وقاعة للتدريب وفصول دراسية ومعامل كمبيوتر ولغات وغيره، بحيث يكون له كل الإمكانات ليستطيع تقديم الدعم المعنوي واللوجستي والتأهيلي والتدريبي لمكاتب الندوة الجمعيات الأخرى التي تمثل العمل المدني. وإذا بدأت هذه المكاتب في العمل وأثبتت دورها وجهودها فبإمكانها أن تقرر التوسع في محيطها دولة بعد أخرى بحسب ما هو متاح من الإمكانات والظروف الإجتماعية والإقتصادية وغيرها.