إن من بين العوامل التي تجعل سوق الأسهم السعودي من أكثر الأسواق الناشئة تذبذباً وبالتالي طغيان منهجية المضاربة هو تشكيلته الأساسية في بنيته الهيكلية إذ من الواضح بأن تعاملاته تنتهج أسلوباً على غير المتعارف عليه في الأسواق الأكثر تقدماً ونضجاً.. فمن بين هذه التركيبة الفريدة نوعاً ما استحواذ التعاملات الفردية على نشاط السوق وهي بلاشك مؤشر على امتلاك السوق والذي طالبت وغيري في أكثر من مناسبة بأن تكون هيئة سوق المال أكثر شفافية في إيضاح هذه الخريطة الاستثمارية ونسيج المحافظ التي تملك السوق وبالطبع دون ذكر لأسماء أو ملاك هذه المحافظ. وعلى أية حال ففي آخر تقرير صدر من الهيئة عن تعاملات السوق في إحصائية تداول شهر فبراير 2008م توضح بأن نسبة 95.82% من الصفقات وتقريباً نفس النسب لكمية الأسهم المتداولة وقيمة الأسهم المتداولة بيعاً وشراء كلها كانت عن طريق أفراد سعوديين.. بينما المستثمر المؤسسي مثل صناديق الاستثمار لم تصل في هذه التداولات سواء عدد الصفقات أو كمية الأسهم أو حتى قيمة الأسهم في عمليات البيع مثلاً إلى 1%.. وهذا دليل واضح على أن الهرم مقلوب بالنسبة للتعاملات عما درجت عليه الأسواق الناضجة أو حتى الناشئة.. وهذه بلاشك حقيقة لا تخفى على كثير ممن يتابع السوق منذ بدء الاهتمام به سواء من طرف المتعاملين أو المحللين الماليين والاقتصاديين أو ممن لهم دراية بأبجديات احصاءات السوق وفهم منهجية تعاملاته. إن الأسواق العالمية الناضجة أو حتى الناشئة تفعل دور المستثمر المؤسسي في جعله قائداً لغالبية التعاملات وذلك ايماناً منها بأن مثل هذه المنهجية هي الأكثر حصافة ورشداً ولكي تقطع الطريق على الانفرادية بصنع القرار وبالتالي الخروج بقرارات جماعية لا تنتزعها حمى المضاربة والايحاءات بتوجهات لا تتفق ومبادئ الاستثمار.. ولعل التوجه إلى المستثمر المؤسسي ليس رغبة وحباً لهذه المؤسسات الاستثمارية بل مثل هذا الأسلوب من ايجابياته التقليل من حدة المضاربة وانعكاساتها السلبية خصوصاً الأسواق النشائة والتي يتدنى فيها الوعي الاستثماري وامكانية دولته أو تزييف التعاملات من قبل أطراف فردية أو شبه فردية (جماعات صغيرة) وبالتالي اختطاف السوق. إن السبب وراء ما وصلنا إليه من انعكاس للهرم هو قصة تاريخية يشترك في بطولتها أكثر من (فارس) حيث تدرجت وتطورت تبعاً لطبيعة نشوء السوق وليس هذا هو مجال الحديث ليبقى ما هو الحل على الأقل في السعي نحو تخفيف الآثار من انفرادية التعاملات وانعكاساتها السلبية.. إنني أرى بأن من بين هذه الوصفات لتفعيل دور المستثمر المؤسسي هو تخصيص نسب كبيرة في الطروحات الأولية لصناديق استثمارية تنشئها هذه الشركات الاستثمارية التي نطالع تقريباً كل يوم الإعلان عن إنشاء واحدة منها.. وهذه الصناديق لا تمتلك فيها الشركات الاستثمارية إلا بالقدر الذي يؤمن موثوقية القيام عليها بشكل كفء بحيث تكون غالبية ملكية هذه الصناديق للأفراد ليكونوا هم المستفيدين الأكبر من عوائده.. هذا ويمكن تطوير هذه الآلية في التخصيص بحيث تكون على هيئة حقوق ملكية واضحة المعالم محصلتها النهائية ابعاد الأفراد عن صنع القرار وبنفس الوقت يكون هو المستفيد الأكبر. إن في مثل هذا التفكير على الأقل رؤية مختلفة لصالح السوق إذا كان الهدف هو استقامة السوق وتفعيل دوره بكفاءة بدلاً من النمطية في الأخذ بما هو معمول به عادة في الأسواق الناضجة وتطبيقه دون مراعاة لفوارق محلية كثيرة والتي رأينا واحداً من نتائجها الآن في انعكاس الهرم. أستاذ العلوم المالية المشارك - جامعة الملك فهد للبترول والمعادن