كم هو من الصعب أن تكتب عن شخصية تنازعها العديد من المجالات منها الإداري، ومنها الفكري، ومنها السياسي، ومنها الثقافي... إلخ، إذ إن الكتابة عن مثل ذلك يجب أن تراعي دائماً جانب النسبية والتوازن، ذلك الجانب الذي يقف إشكالية أمام كثير من الأقلام السيالة وهي تسعى إلى الإيجاز والشمولية في مقالة نمطية ينعكس منها اعطاء تصور نموذجي تتوافر فيه صفة الكمال والاحاطة لشخصية ما. وازاء هذا الأمر فإنه يجب استحضاره لدى كل من أراد الكتابة عن معالي الشيخ الراحل عبدالعزيز التويجري - رحمه الله - الذي قضى ما يقارب التسعة عقود في خدمة أمته ومجتمعه بروح مليئة بالوطنية والثقافية المتميزة، وسيقف كل كاتب وهو يتأمل سيرته ودوره الوطني والثقافي ليبرز لنا ما قام به في خدمة الملك المؤسس ابان فترة توحيد الكيان وتكوين الدولة، وليذكر به وهو يؤدي مهمة المعاضد لخادم الحرمين الشريفين في رئاسة الحرس الوطني كوكيل يعتمد عليه ويوثق به وكيف سعى بجهوده وتحت رعاية ومؤازرة ولاة الأمر في هذه البلاد إلى تحويل هذه المؤسسة العسكرية العملاقة وتطويرها لتصبح ذات رسالة ثقافية وفكرية مع احتفاظها بهويتها الأساسية ويتبلور هذا التحول في النقلة النوعية الكبيرة للجنادرية من سباق للهجن إلى مهرجان ثقافي يملأ الدنيا ويشغل الناس بوهجه وفعاليته الثقافية المتراسلة. وأعلم بأنني لن أزيد إلى معرفة القارئ شيئاً من خلال هذا الطرح، لا سيما من كان من أبناء هذا الوطن الذي لن تزول عن ذاكرته شخصية معالي الراحل، ولكن الذي أود أن نلحظه عدم مقدرة المسؤولية الكبيرة والإدارة الفخمة بمتعلقاتها وظروفها الكبيرة على اكتساح الموهبة المبدعة والإحساس المثقف، وعدم وقوفها عائقاً في وجه من تألقت فيهم الموهبة. نشعر بذلك ونحن نرتشف قضايا التاريخ وملامح المجتمع وشوارد الفكر والأدب في (حتى لا يصيبنا الدوار) أو (لسراة الليل هتف الصباح) أو فهل كان إدارياً؟ أم كان عسكرياً؟ أم هل كان سياسياً؟ أم هل كان أدبياً؟.. تساؤلات تطرح نفسها وتتوسل إلى عالمنا ليبحث كل منها عن الجواب التأكيدي لاستفهام تقريري ملح، رحل عبدالعزيز التويجري ولم يكتب لنا سيرة ذاتية أمام شخصية مترهلة هكذا، لكن تخلص بذكائه وحنكته من ذلك وتركه مجالاً مفتوحاً أمامنا لتتضافر جهود العديد على محاولة إبرازه كظاهرة وجودية وإن كان قد يكون من المحال ظهوره وهو يتمتع بصفتي الفنية الأدبية والتوثيق الدقيق الأمين.