@@ مازلت اتذكر جولات أمين جدة الاسبق الدكتور المهندس محمد سعيد فارسي الصباحية للوقوف على احياء المدينة (المنزوية) وشوارعها وأزقتها (الداخلية) وذلك بهدف التعرف - بصورة مباشرة - على أوضاع النظافة فيها.. وحركة البناء.. والمخالفات.. والتعديات.. والحفريات ومداخل المدينة.. @@ لقد كان (يجبر) اصدقاءه.. وكنت احدهم على الاستيقاظ مبكراً.. وبدء هذه الجولة من السابعة والنصف صباحاً.. ومرافقته فيها.. @@ وكثيراً ما كانت تركز على احياء (غليل) و(السبيل) و(قويزة) و(البوادي) و(المحروقات) و(الكرنتينة). @@ كما كانت تشمل - في بعض الاحيان - احياء المدينة الراقية في ذلك الوقت.. مثل (البغدادية) و(الشرفية) و(الكندرة).. @@ وكانت ثمرة هذه الجولات (الصباحية) سلسلة من الملاحظات.. والاجراءات.. والعقوبات ضد مسؤولي البلدية الذين (غفلوا) عن الكثير من المظاهر السلبية في المدينة واكتفوا بتقارير ورقية يكتبها (المراقبون) من على مكاتبهم.. ويحاولون فيها تجميل الصورة في الوقت الذي كان (ابو هاني) حريصاً على (التعرية) ومعرفة الحقيقة.. وتصحيح الاوضاع المختلفة أولاً بأول.. @@ وكثيراً ما كان الفارسي.. يفاجئ كبار موظفيه بقرارات لا تخطر على بالهم.. جراء وقوفه على حقيقة المدينة وخفاياها.. كما كان يفاجئهم بفكر خلاق ومقترحات غير مسبوقة.. تجسد احساس الرجل المتعاظم بالمسؤولية.. وقدرته على قراءة المستقبل بشكل جيد.. @@ لقد كانت فكرة فروع البلديات في داخل كل مدينة من بنات افكاره.. @@ كما كان التوسع نحو الشمال (طريق المدينة - ابحر - عسفان - ذهبان - منطقة درة العروس) جزءاً من رؤيته البعيدة المدى.. @@ وكم شهدت حوارات ساخنة.. وضغوطات شديدة يمارسها الرجل مع منفذي مشاريع الامانة في ارجاء المدينة يطالبهم فيها بتوفير البنية الاساسية لمخططات الاراضي الجديدة.. واقامة بعض الطرق واضاءة الشوارع وسفلتتها، جنباً الى جنب استثمار الميزانيات الحكومية المعتمدة. @@ وليس سراً ان اقول.. ان (ابا هاني) ما كان يعاني من مشكلة توفير الاعتمادات المالية الكافية لما يطلب بطرقه الخاصة واساليبه المتميزة واستثماره لعلاقاته المتميزة مع القيادة لثقتها فيه، ومعرفتها بأنه حريص على تطوير المدينة والارتقاء بها.. وجعلها - باستمرار - في مستوى التسمية التي اختارها لها (عروس البحر).. @@ هذا الكلام أورده.. بمناسبة ما كتبه الفارسي في جريدة البلاد بعددها الصادر يوم الاحد الموافق 1429/2/17ه وقال فيه: (كانت المنح السامية) هي وسيلة للحصول على مساحات من الأراضي البيضاء تقدر احياناً بعدة ملايين من الامتار وكان الجميع يرغبون في تطبيقها وسط جدة.. وكانت الاراضي هي المحرقة التي شوت جميع رؤساء بلدية جدة.. وكان السبب هو العاملين في إدارة الاراضي.. فقد كان أحدهم يحتفظ بالسجلات في ذاكرته.. ويحولها الى استثمار شخصي.. والآخر يوحي بأن رئيس البلدية خاتم في اصبعه.. والثالث يجيد كتابة الشكاوي الكيدية ويهدد بها من لا يتواطأ معه في السرقة.. وتتحول مكاتب هؤلاء الى (بورصة) روادها التجار والسماسرة فهم يعلمون عن أراضي جدة اكثر مما يعلم بها رئيسها).. @@ وعلى قدر علمي فإن (أبا هاني) اطاح بالكثير من الرؤوس التي كانت مصدر خراب في البلدية وان كان يردد بأنه يعلم بأن الخراب مستحكم في النفوس ومن الصعب ازالته بالكامل.. @@ اقول: تذكرت كل هذا وتذكرت معه حركة سعيد فارسي اليومية كرجل لا يرتاح للجلوس على الكرسي.. بقدر ما كان يؤمن بالحركة.. ومباشرة العمل ميدانياً.. @@ فأين هم المسؤولون الذين يعملون على تمثل هذه الروح.. وذلك الاخلاص والتفاني سواء في مدينة جدة أو غيرها.. @@ ان وجود مئة شخصية كمحمد سعيد فارسي في كل مدينة وقرية كفيل بأن يجعل هذه البلاد في القمة حركةً وتطويراً واستثماراً وتوظيفاً لكل الامكانات المتاحة.. @@ فنحن لا ينقصنا المال.. @@ ولا ينقصنا الاحساس بالمسؤولية.. @@ ولكن ينقصنا التفكير الخلاق.. والمتابعة المباشرة ومحاسبة (اللصوص) و(المعطلين) و(المتاجرين) بالذمة وبالوظيفة.. @@ ولذلك فإن (غربلة) الاجهزة.. وتطهيرها واصلاح امورها.. يعتبر في مقدمة اولويات المرحلة.. مستفيدين من طبيعة القيادة الانموذج في كل شيء. @@ ضمير مستتر: (@@ من لا ضمير له.. فإنه لا خوف لديه من أحد.. ولا تأنيب له على ما يرتكب من اخطاء شائنة @@)