بدأت أشعر بالحنين إلى المحطات التلفزيونية الرسمية في جميع بلداننا العربية ونحن من أوائل من وصفها بالرتابة والتقليدية والنمطية... أما سبب الحنين فلأنني بدأت أشعر بالطمأنينة والارتياح النفسي تجاه أي محطة رسمية عربية لأن فضاءنا العربي أصبح مصادَراً ومختطفاً من قنوات الجنس والتطرف والأدلجة والفئوية والمناطقية والعشائرية والتعصب للعرق والدم واللون... وأصبحت ثقافة المشافهة و(صفصفة الحكي) و(الملاسنات) والافتخار العرقي والتاريخي هي الثقافة السائدة، وتم تغييب الروح العلمية والمناخ العلمي وأصبحنا في زمن النصوص و(التناص) وبيت القصيد وولادة شاعر بالمدينة هو انتصار عربي وفخر الأمة... السماء تعج بالأقمار الاصطناعية وتجار الكلام وبائعو الحكي يتجولون بين مدن الخليج، وتجار العري واللحم العربي البرونزي يسافرون من محطة إلى محطة بطرح أفكار مستنسخة من أعمال أوروبية... والذين فاتهم قطار المناصب والوجاهة التاريخية والزعامة جاءوا يبحثون عن دور لهم داخل محطات المناطق والالتفاف الفئوي... أما طلاب الطب الفاشلون وأصحاب المكياج الفاشلون فأوجدوا لهم محطات فضائية حولوها إلى عيادة طبية فضائية... وأصحاب الأمراض النفسية والمحبطين عملوا على إيجاد محطات لقراءة الكف والوجه والقدم، ومارسوا الشعوذة والسحر داخل محطات ذات تقنية عالية وقبل ذلك كانوا يمارسون شعوذتهم في أعشاش وبيوت طينية وشقق خلفية... فضاء عربي مخيف ليس للسياسيين والمجتمعات التقليدية فقط بل هو مخيف اجتماعياً ونفسياً وفكرياً.. مخيف للأسرة وللتعليم والحصانة الدينية... فضاء بالفعل مخيف لأنه لا يوجد أحد يقدرعلى التنبؤ بما سيحدث وحتى وزراء الإعلام العرب في اجتماعهم الأخير وإقرارهم على وثيقة (مبادئ تنظيم البث الفضائي) لا يمكنهم قراءة مستقبل ما يحدث في الفضاء، وما يمكن أن تفعله المحطات الفضائية في الفرد قبل المجتمع من تأثيرات نفسية واجتماعية وسلوكية...لأن الإعلام العربي الرسمي لا يملك الجغرافيا والمكان، والسماء تمطرنا سحاباً يعج بكل الألوان، والأرض تستحلب بأجهزة الاستقبال كل عالق أو ساقط من السماء... ما نتمناه هو المزيد من الإجراءات من جهات مهنية وأكاديمية واجتماعية لتوعية المجتمع والسعي إلى الحد من انفجار سماء الفضائيات غير المنضبطة والتي لا تعمل وفق قواعد وأسس مهنية وأخلاقية.