غيب الموت أمس (الجمعة) بعد رحلة طويلة مع المرض الكاتب والناقد المصري المعرف رجاء النقاش " 74عاما" الذي كان يعالج من مرض خبيث في كولونا بألمانيا. ورجاء النقاش أحد رموز الثقافة المصرية وواحد من الذين وجهوا حركة الإبداع في مصر في ستينيات هذا القرن من خلال كتابته المتابعة التي تميزت برؤية نقدية شديدة الشفافية، تستند إلى إلمام بمدارس النقد فضلا عن قدرته على اكتشاف القوانين الخاصة لكل عمل إبداعي تناوله، ومن هنا كان رجاء النقاش سباقا إلى تقديم أصوات مبدعة إلى الحراك الثقافي العربي استطاعت بعد ذلك أن تؤكد وجودها من ناحية، مثلما تؤكد شفافية النقاش وقدرته على اكتشاف القيم الفنية الأصيلة. من تلك الأصوات التي قدمها النقاش آنذاك شعراء من مثل معين بسيسو ومحمود درويش وسميح القاسم وغيرهم. قام النقاش بدور هام من خلال رئاسته لتحرير عدد من المجلات المصرية والعربية، كان آخرها رئاسة تحرير مجلة الدوحة القطرية، وفي ظل هذا الموقع من المطبوعات التي تحمل رسالتها كان دائما ميالا إلى تغليب المساحات الثقافية، وربما كانت مجلة "الهلال" المصرية ومجلة "الإذاعة والتليفزيون" المصرية هما من أبرز الأمثلة في الفترة التي رأس تحريرهما. ويعد النقاش واحدا من الجيل الذهبي لنقاد المسرح المصري، جيل الستينيات، وهو الجيل الذي لمعت فيه أسماء مثل محمد مندور، ولويس عوض، وعلي الراعي، وعبد القادر القط، ومحمود أمين العالم. وقال مثقفون إن رجاء النقاش من الرموز التي أسهمت في إرساء حركة النقد العربي، من خلال تناولانه للأعمال الإبداعية العربية بالدراسة والتحليل عبر كتاباته في الصحف والمجلات المصرية والعربية وعبر عديد من الكتب النقدية التي أسست لأجيال من الكتاب، فضلا عن تجربته الصحفية، حيث تميز أسلوبه السلس الذي ينتقي مفرداته بعناية فائقة، والذي يقول أعمق الأفكار بأبسط الكلمات. النقاش كان قد تم تكريمه منذ عدة أسابيع في نقابة الصحافيين المصريين أرسل الشاعر الفلسطيني محمود درويش كلمة أشاد فيها بدوره في "كسر العزلة" عن الشعراء في الأراضي الفلسطينية في ستينيات القرن العشرين حين كتب عنهم محتفيا بهم وفي مقدمتهم درويش الذي أصدر عنه النقاش عام 1969كتابا عنوانه (محمود درويش شاعر الأرض المحتلة) قبل أن يخرج درويش من بلاده وينال شهرته الواسعة. وأضاف درويش في كلمته أن النقاش لم يكف عن "التبشير النبيل" بكل موهبة جديدة منطلقا من حس عروبي. وقال عنه الشاعر المصري حلمي سالم إن النقاش أسطورة يونانية تخص نوعين من الناس أحدهما كلما لمس شيئا صار حديدا والثاني كلما لمس شيئا صار ذهبا. وأضاف إن النقاش من النوع الأخير فكلما أدار منبرا ثقافيا جعله أكثر حيوية بحماسه لكل جديد في الإبداع كما تجلى في الستينيات حين تولى رئاسة تحرير (الهلال) أقدم مجلة ثقافية عربية وعندما انتقل عام 1971رئيسا لتحرير مجلة (الإذاعة والتلفزيون) جعل منها مطبوعة ذات توجه ثقافي حيث نشر رواية (المرايا) لنجيب محفوظ مسلسلة قبل صدورها في كتاب. سافر النقاش إلى قطر مديرا لتحرير صحيفة (الراية) ثم تولى رئاسة تحرير مجلة (الدوحة) منذ تأسيسها عام 1981حتى إغلاقها عام 1986.وقال سالم إن معظم رموز الإبداع الأدبي في العالم العربي "زهور من غرسه" حيث برز النقاش منذ كان في مطلع العشرينيات من عمره ناقدا موهوبا يعبر من خلاله روائيون وشعراء عرب إلى الحياة الأدبية وبعضهم أكبر منه سنا مثل الروائي السوداني الطيب صالح الذي أعاد النقاش اكتشاف روايته الشهيرة (موسم الهجرة إلى الشمال) والشاعر المصري أحمد عبد المعطي حجازي الذي كتب له النقاش مقدمة ديوانه الأول (مدينة بلا قلب). وقال نقيب الصحفيين المصريين مكرم محمد أحمد إن النقاش "علم من أعلام الصحافة والنقد" على مدى أكثر من نصف قرن. للفقيد عشرات من الكتب النقدية تراوحت بين الأطروحات النقدية والمتابعات لأعمال إبداعية، منها : (ثلاثون عاما مع الشعر والشعراء) وأبو القاسم الشابي.. شاعر الحب والثورة، وعباقرة ومجانين، ونساء شكسبير، وعباس العقاد بين اليمين واليسار، وقصة روايتين، وهو دراسة نقدية فكرية مقارنة لروايتي (ذاكرة الجسد) للجزائرية أحلام مستغانمي ووليمة أعشاب البحر للسوري حيدر حيدر. وربما كان آخرها الذي يعد للصدور الآن كتابه عن الشيخ عبد العزيز التويجري الذي يصدر ضمن "كتاب الرياض". نال رجاء النقاش جائزة الدولة التقديرية في الآداب بمصر عام 2000.