طالعنا الدكتور عمر بن شريف السلمي - في عدد جريدة "الرياض" رقم (14424) المنشور يوم 12ذي الحجة 1428ه الموافق 21ديسمبر 2007م (ص 18تاريخ وحضارة) بمقالته المعنونة ب (لا صلة لقبيلة زعب القيسية بالشيخ عبدالقادر الجيلاني)، وقد قرأت هذه المقالة وخرجت بملاحظات لا بد من التنويه والإشارة إليها للكشف عن الحقيقة وإظهار الحق بعون الله. المحور الأول: تفنيد المصادر والمراجع التي اعتمد عليها د. عمر السلمي في مقالته: لقد استشهد كاتبنا بهشام بن محمد بن السائب الكلبي صاحب كتاب جمهرة النسب ص 399.يقول ابن حجر العسقلاني في مؤلفه تقريب التهذيب - إصدار دار الرشيد سوريا ج 1، ص 479- عن أبي هشام محمد بن السائب أبي النضر الكوفي النسابة المفسر: إنه متهم بالكذب ورمي بالرفض. أما ابنه هشام الذي استأنس الكاتب عمر السلمي به فيقول عنه ابن حجر في مؤلفه لسان الميزان الجزء (6) ص (196) ناقلاً عن ابن عساكر: إن هشاماً هذا رافضي وليس بثقة. وصفوة القول: إن محمد بن السائب الكلبي وابنه هشاماً هما واضعان متهمان بالرفض والتشيع وتلفيق الروايات التاريخية. فلا عجب أن يرمي هشامٌ هذا نسب الشيخ عبدالقادر الجيلاني ويطعن فيه لأنه من عظام أهل السنة والجماعة. وأما كتاب عمدة الطالب في أنساب أبي طالب لابن عنبة الذي يعتمد عليه كاتب المقال وغيرهم، فقد عني بتصحيحه محمد صادق آل بحر العلوم في الطبعة الأولى التي ظهرت في النجف أما الطبعة الثانية من الكتاب فعني بتصحيحها محمد حسن الطالقاني في النجف أيضاً، فبالتالي أي مصدر موثوق هذا الذي يعتمد عليه الدكتور عمر السلمي؟؟!! أما القول بشأن أبي علي هارون بن زكريا، فهذا الكتاب لم يستشهد به الكاتب عمر السلمي مباشرة وإنما زج باسمه فقط في مقالته للتعمية على القارئ وإشعاره أنه يعتمد على رواة ثقات، ولكنه في حقيقة الأمر يعتمد على الباحث المعاصر حمد الجاسر مواليد 1910ميلادي 1327هجرية، والحديث طبعاً عن الشيخ عبدالقادر الجيلاني يعود بنا إلى عام ولادته 471هجرية. الرشاطي عبدالله بن علي اللخمي الذي عاش هناك بعيداً في الأندلس وهو مولود عام 446هجري، وليس كما ذكر الكاتب عمر السلمي في مقالته المغلوطة أنه توفي عام 245هجري!!، فالرشاطي عاش في الأندلس وكان بعيداً كل البعد عن المشرق العربي وعن الجزيرة العربية فكيف له أن يتحرى أنساب قبائلها، بالتالي ليس من الممكن اعتماد كتاباته كمصدر ومرجع موثوق. ولا بد من التنويه إلى أن كاتب المقال يدّعي النقل عن الرشاطي من مؤلفه "اقتباس الأنوار والتماس الأزهار في أنساب الصحابة ورواة الآثار"، دون أن يذكر أبداً في أي صفحة من المؤلف ورد ذكر قبيلة زعب؟! مما يؤكد أن الأمر فقط لذر الرماد في العيون وكأن الأمر سينطلي على قراء المقال. وكذلك ذكر كتاباً آخر للرشاطي بعنوان "الإعلام في كتاب المختلف والمؤتلف للدارقطني من الأوهام"، ما علاقة هذا الكتاب بقضية نسب قبيلة زعب؟؟!! هل هو الأسلوب ذاته لخلط الأوراق واستصغار العقول؟؟ وقد خطأ كاتبنا الباحث محمد سليمان الطبيب قائلاً: "ومن الأخطاء الفادحة التي وقع فيها الباحث محمد بن سليمان الطيب، ودوّن ذلك في موسوعة القبائل العربية، نسبته بني خالد القبيلة العامرية إلى ذرية خالد بن الوليد دون برهان قاطع علماً أن نسابة قريش الزبيري بين انقطاع ذرية خالد بن الوليد". هذا القول غير دقيق ولم يجزم به أحدٌ حتى الآن وهو موضع خلاف، وإن كان لدى الكاتب البرهان القاطع على ذلك فعليه أن يورده. وأما بخصوص ما جاء على لسان القلقشندي من قبل الكاتب حول نسب زغب من بني سليم، فلنفترض جدلاً أن القلقشندي قد أخطأ في تسمية بهثة وذكرها بهته، فما هو الباب الذي جعله الكاتب أولى حتى يجعله مخطئاً أيضاً في تسمية زغب من بني سليم بدلاً من زعب؟!. لقد حاول الكاتب أن يوهم القراء أنه يصدر فيما ذهب إليه عن مراجع أصلية كالإشبيلي عبدالحق الأزدي وأبي علي هارون بن زكريا، بينما هو في حقيقة الأمر يأخذ كل ما قاله عن الكاتب حمد الجاسر المعاصر!!. ولم يثبت الكاتب على الإطلاق المصادر والمراجع التي اتكأ عليها بصورة علمية توحي للقارئ أن الكاتب يسوقه إلى حقيقة الأمر، فأين الإحالات الواضحة والصريحة إلى أرقام المجلدات والصفحات وحتى الناشر الموثوق الذي استند إليه الكاتب فيما ذهب إليه. وقد كرر الاستناد على الشيخ حمد الجاسر رحمه الله عند ذكره إسماعيل بن إبراهيم الكناني موهماً القارئ مرة أخرى أنه يعتمد على مصادر قديمة ومراجع عريقة!! وحتى عندما استشهد بابن الأثير في مؤلفه الكامل لم يذكر اسم الكتاب كاملاً هو (الكامل في التاريخ)، ولم يحدد في أي جزء ولا في أي صفحة ورد ذكر نسب قبيلة زعب، ومما يدل على استشهاده الخاطئ به أن ابن الأثير نفسه يذكر في الجزء الثالث من كتابه الكامل في التاريخ بني زغب بالغين وليس بالعين تحت عنوان ذكر دخول العرب إلى أفريقيا، حيث يقول "وكانت عرب زغب قد ملكت مدينة طرابلس..". إنه لمن الملفت للنظر أن الدكتور عمر السلمي يذكر العديد من أسماء المؤلفين ومنهم الحافظ ابن حجر العسقلاني وابن الأثير وغيرهم، لكن دون تحديد اسم الموسوعة أو المعجم أو حتى المجلة ولا يذكر لا الفصل ولا الصفحة، مع أن هذا أمر طبيعي بالنسبة للأبحاث التي تدعي العلمية والموضوعية، فكيف لبحث أن يكون علمياً وهو يعتمد بالأساس على مؤلفين معظمهم من الرافضة والمتشيعين، إذ من المعروف للقاصي والداني نواياهم في رفض أهل السنة من آل البيت خاصة. ظاهرة تكذيب المؤرخين الثقات عمالقة علم الاجتماع والأنساب طبعاً لست مضطراً لتكذيب علماء الأنساب وجعلهم واهمين فيما ذهبوا إليه من حجج عند تدوين الأنساب، وذلك أنني مهما ادعيت العلم فلن أبلغ مبلغ أحدهم لأنهم هم أهل الزمان الذين عاشوه بأنفسهم وما رأوه هم بأعينهم لا نستطيع أن نراه نحن بأمانينينا، فهم كبار العلماء من مؤرخين ونسابين وعلماء حديث وكلهم ثقات لا يستطيع أحدٌ الطعن بمصداقيتهم إلا بالحجة البالغة اليت تنسف كل ما نقلوه وليس فقط في مجال الأنساب، فأنا معهم فيما قالوا حتى لا يقول لي أحدهم ما قاله المتنبي: وليس بأول ذي همة دعته لما ليس بالنائل يشمّر للج عن ساقه ويغمره الموج في الساحل فمن يحاول أن يضع نفسه في الميزان مع هؤلاء الأعلام العمالقة الذين نقلوا لنا علوم الدين والحديث وسير الأعلام محاولاً أن يناقش ما نصوا عليه صراحة إنما يحاول أن ينطح صخرة لإضعافها: كناطح صخرة يوماً ليوهنها فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل ثم إن تكذيب علماء الأنساب المشاهير أمثال "ابن حزم، والقلقشندي، وابن خلدون، وابن سعد، والسمعاني، والدارقطني، بحجج واهية لا تمت إلى البحث العلمي ولا إلى العقل والمنطق بصلة يمكن أن يجعل جميع ما نقله هؤلاء النسابون والمؤرخون في مهب الريح، وبالتالي لا يستطيع المرء أن يتعامل مع موضوع النسب العربي والتاريخ الإسلامي والعربي بالجملة دون تشكيك في صحته، لأن هؤلاء العلماء الذين نقلوا لنا هذا التراث صار مطعوناً بمصداقيتهم بسبب وهمهم كما يرى الكاتب، وطبعاً عندما يدخل الكُتَّاب المحدثون في فرضية التشكيك بصحة ما نقله العلماء الأوائل ينتفي السبب الذي من أجله بحثنا فيه عن الأنساب لأن النسابين القدماء واهمون بنظر بعض الكُتَّاب المحدثين. المحور الثاني: الباب الأول حول فكرة رفض انتساب الشيخ عبدالقادر الجيلاني منذ القرن التاسع التي تحدث عنها الكاتب، هل يستطيع الكاتب أن يفصل لنا من رفض هذه الفكرة وعلام استند في رفضها، وأي مقارنة هذه التي يحاول الكاتب أن يعقدها بين رجل صالح مشهود له بالصلاح وبين الزنادقة والمرتدين والمبتدعة، أي مقارنة يحاول أن يعقدها بين صاحب الزنج وقداح اليهودي وبين الشيخ الحنبلي عبدالقادر. أ قول: إن الشيخ عبدالقادر تتلمذ على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وقد نقل عنه من بعده إمام حنبلي آخر هو شيخ الإسلام ابن تيمية، الذي نقل عن كتاب "غنية الطالبين" فامتدح ما استحسنه وأشار إلى الأشياء التي لم ترقه، إلا أن شيخ الإسلام لم يشر أبداً إلى أصل فارسي للرجل، هذا مع العلم أن شيخ الإسلام كان من أوائل العلماء الذين كتبوا وفصلوا واستفاضوا في الحديث عن الملل والنحل، وكان من أوائل العلماء الذين حاربوا أهل البدعة والضلالة الذين تحدث عنهم الكاتب، فهل عجز عن محاربة البدعة التي جاء بها أحد أئمة الحنابلة المتقدمين وأولاده من بعده. فأين المنهج العلمي الذي سلكه الكاتب عندما نسب الشيخ عبدالقادر الجيلاني إلى الفرس ونزع عنه عروبته ونسبته إلى آل البيت الأطهار؟؟ وهلا أحضر لنا الكاتب مصدراً فارسياً معتمداً ومثبتاً ومصادقاً عليه يثبت صحة إدعائه الواهي حول نسب الشيخ عبدالقادر الجيلاني إلى الفرس؟؟!!، أو أبرز لنا مخطوطة أو وثيقة فارسية تنسبه إلى جد فارسي، لكن هيهات أن يحدث ذلك!!، بل ذهب الكاتب إلى أن الانتساب إلى ذرية علي بن أبي طالب أصبح موضة، وبما أنه كذلك فلا صلة للشيخ عبدالقادر الجيلاني بهذا النسل الكريم، أو ربما لا وجود لذرية علي بن أبي طالب على وجه الخلفية!! لقد جعل كاتبنا الشيخ عبدالقادر الجيلاني فارسياً دون أن يبرز الوثائق والمخطوطات التي استند عليها في ذلك، وذهب إلى مجرد ولادته في جيلان بلاد ما وراء طبرستان تثبت أنه فارسي، ولعله نسي أو تناسى أن الفتوحات العربية والإسلامية وصلت إلى الصين شرقاً (ما وراء طبرستان بآلاف الكيلومترات) وإلى الأندلس غرباً، وأن أعقاب الفاتح الشهير عبدالرحمن الداخل القرشي - وليس السلمي - (صقر قريش) حكموا الأندلس خمسمائة عام، فهل يتخذ كاتبنا ذلك مبرراً لجعلهم أسبانيين؟ أعتقد أن الأمر لو توافق مع العصبية القبلية التي يتغنى بها كاتب المقال لفعله. وأين يذهب الكاتب بهؤلاء العلماء العرب الذين ولدوا في بلاد ما وراء طبرستان التي يتحدث عنها، وإلى من ينسبهم يا ترى؟، ثم إن ابن تيمية شيخ الإسلام مولود في حران (سفوح الأناضول) وهذه المنطقة كانت حتى زمن قريب خاضعة للنفوذ التركي، فهل من الممكن أن يأتينا أحد الكُتَّاب في الزمن القريب مثلاً فيقول: إن ابن تيمية أصله تركي لمجرد ولادته هناك، أعتقد أن ذلك سيكون أحد العجائب في عصرنا هذا!! بل كيف يجعل الرجل فارسياً بناءً على لقب عُرف به الإمام أبو صالح موسى (جنكي دوست) أو أطلقه عليه بعض الناس من الأعاجم تقديراً لعلمه وهو ليس اسماً كما يدّعي كاتبنا؟؟!!، وهل يبرر ذلك نزع صفة العروبة عنه رحمه الله. فلو فرضنا أن الإمام أحمد بن حنبل مثلاً الذي تتلمذ شيخنا على مذهبه، اضطر أثناء تخفيه بين الناس في بغداد إلى استخدام لقب فارسي، فهل يبرر ذلك نزع صفة العروبة عنه أيضاً، كل ذلك عائدٌ إلى تقدير الكاتب ومنهجه العلمي الرصين. لو كان الشيخ عبدالقادر الجيلاني فارسياً، فلماذا إذن قام الشاه إسماعيل الفارسي الصفوي مؤسس الدولة الفارسية الصفوية عند احتلال بغداد عام 1508ميلادي بنبش قبر أبي حنيفة النعمان وقبر الشيخ عبدالقادر الجيلاني معاً ونكّل برفاتهما؟؟!! وباستطاعة الكاتب بدل أن يطلب تدوين اسم الشيخ في نقابات الأشراف في العراق والحجاز، أن يسأل الأشراف هناك عن صحة نسب الشيخ، وكذلك بإمكانه الذهاب إلى الأستانة والتحري بنفسه من خلال الوثائق النادرة والمخطوطات التي يتحدث عنها، لا أن ينسب ذرية الشيخ عبدالقادر الجيلاني إلى فارس في الوقت الذي كانت فيه هذه الذرية صاحبة حظوة كبيرة لدى السلطنة العثمانية وكانت تصدر صكوك التكليف بنقابة الأشراف في بلاد الشام لهم من قبل الدولة العثمانية، وربما يعلم كاتبنا أنه كان هناك صراع نفوذ بين العثمانيين والصفويين، وأنه لا يمكن بحال من الأحوال أن يكلف السلاطين العثمانيون آل الزغبي بنقابة الأشراف في طرابلس مثلاً مع علمهم المسبق بنسبهم الفارسي والعياذ بالله. إذا كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظمُ وفيما يلي أورد بعض المصادر التي تؤكد النسب الشريف للشيخ الباز الأشهب عبدالقادر الجيلاني رحمه الله . 1- علامة العصر ابن حجر العسقلاني (ت 852هجرية) في "غبطة الناظر في ترجمة الشيخ عبدالقادر". 2- سبط ابن الجوزي يوسف بن قز أوغلي (ت 654هجرية) في "مرآة الزمان في تاريخ الأعيان". 3- نور الدين بن أبي الحسن علي بن يوسف اللخمي (ت 713هجرية) في "بهجة الأسرار ومعدن الأنوار في مناقب السادات الأخيار من المشايخ الأبرار". 4- الإمام شمس الدين السخاوي (ت 902هجرية) في "الضوء اللامع لأهل القرن التاسع". 5- الإمام قطب الدين موسى (ت 726هجرية) في "الشرف الباهر". 6- إمام العصر ابن طولون (ت 953هجرية) في "مفاكهة الخلان في حوادث الزمان". 7- صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي (ت 764هجرية) في "الوافي بالوفيات". 8- عبدالله بن أسعد اليافعي (ت 768هجرية) في "أسنى المفاخر في مناقب الشيخ عبدالقادر". 9- زين الدين أبو الفرج عبدالرحمن بن شهاب الدين أحمد البغدادي الشهير بابن رجب (ت 795هجرية) في "الذيل على طبقات الحنابلة". 10- عمر بن علي بن أحمد الأنصاري الشافعي ابن الملق (ت 804هجرية) في "طبقاته". 11- مجد الدين محمد بن يعقوب الفيرزو أبادي (ت 817هجرية) في "روضة الناظر في ترجمة الشيخ عبدالقادر". 12- نور الدين الجامي (ت 898هجرية) في "نفحات الأنس". 13- عمر بن مظفر ابن الوردي الشافعي في "تتمة المختصر في أخبار البشر". @ بلاد الشام - بيت المقدس