نجح حزب الله في المقاومة وفشل في السياسة! السبب يكمن في وضوح الأهداف في الأولى وضبابيتها أو عدم واقعيتها في الثانية. الجنوب اكتوى بنيران الاحتلال الإسرائيلي، وفيه مارست إسرائيل جرائم ضد الإنسانية تحت سمع القوات الدولية وبصرها. بل إن بعض جرائم إسرائيل تمت ضد الشيوخ والأطفال والنساء الذين التجأوا إلى معسكر قوات الأممالمتحدة في قانا. "الرياض" غطت تلك المجزرة بصفحة كاملة وكان لي شرف حضور إحياء ذكرى المجزرة السنوي في عام 2004م حيث ألقيت قصيدة "لن أذرف دمعي ياقانا". وقتها بحثت عن إحصائيات المجازر الإسرائيلية في لبنان لتغطية الموضوع فلم أجدها إلا لدى حزب الله موثقة بالتاريخ والصور. كانت عمليات حزب الله الناجحة ضد المحتل الإسرائيلي تفرز غضبا إسرائيليا شبه يومي أحرق قرى كاملة في الجنوب بوحشية تفوق الوصف ولا يصدق بها إلا من وقف على شواهدها. برغم ذلك أجبر حزبُ الله الجيش الإسرائيلي على جر أذيال الخيبة من الجنوب. وقتها كان العرب واللبنانيون مع حزب الله كحركة تحرر. وحتى عندما خرج حزب الله من ميدان المقاومة ودخل السياسة من الباب الخاطئ "افتعال حرب في صيف 2006التي دمرت لبنان" وقف الكثير مع حزب الله وأكبروا فيه مقاومته. فما الذي حدث لحزب الله؟ لكي نفهم حزب الله لا بد أن نفهم كيف يفكر. استراتيجيته تعتمد على فرضية أن هناك مشروعا أمريكيا يعد للمنطقة بالاتفاق مع الأكثرية وأطراف عربية فاعلة. قد يكون أحد مؤشرات ذلك المشروع هو ماصرحت به كوندوليزا رايس إبان حرب صيف 2006التي راح ضحيتها المدنيون اللبنانيون، بينما خرجت - وهي جازمة بنصر إسرائيل العسكري - لتقول: "بأن مايحدث في لبنان ماهو إلا ثمن لابد من دفعه لمخاض الشرق الأوسط الجديد". ولكن إسرائيل فشلت عسكريا فتأجل مع ذلك الفشل مشروع الشرق الأوسط الجديد. حزب الله يؤمن أن الإدارة الأمريكية ستحاول أن تمرر مشروعها من خلال الحرب تارة ومن خلال السلم تارات أخرى. بالإضافة إلى مافات يرى حزب الله أنه يجب أن يكافأ على صموده وتضحياته بأن يحصل على حصة أكبر في الحكومة. وهو كذلك مؤمن بأنه الأكثر تسليحا وتدريبا ولهذا فإن الحرب الأهلية لاتخيفه بل يشعر بأنه سيخرج منها أقوى من ذي قبل وسيستطيع أن يقضي على خصومه كما توحي بذلك تصريحات بعض قيادييه مؤخرا. هناك أعضاء في حزب الله لايؤمنون بخطه المتشدد الذي يدفع لبنان إلى الهاوية، ولكنهم مجرد أصفار سياسية على يسار السيد حسن نصر الله. أما حلفاء حزب الله المحليون فقد قرأوا الأوراق المحلية ووجدوا في حزب الله ماقد يختصر عليهم الطريق ويعوض عليهم مافقدوه. وبرغم تقاطع المصالح سياسيا إلا أنني أشك في بقاء تحالفات حزب الله لو استمر تدهور الوضع الأمني اللبناني. على النقيض من ذلك تقف الموالاة حيث كانت برصيد "الشهيد" بتأييد أمريكي يفقدها المصداقية تبحث عن الحل في كل مكان إلا حيث يجب أن تبحث. إحدى مشاكل الموالاة هي الفراغ القيادي بعد قتل رفيق الحريري. تبقى أسئلة بدون أجوبة! هل استطاعت استخبارات إسرائيل نقل المعركة إلى العمق البيروتي بعيدا عن حدودها، وهل تحقق ماعجز الجيش الإسرائيلي عن تحقيقه؟ مهما تحدثنا عن الأطراف اللبنانية فلا يمكن أن نغفل الدور السوري والإيراني المباشر أو غير المباشر لأنه ليس من مصلحة إيران وسوريا أن يكون هناك استقرار سياسي في لبنان.