في الأسبوع الماضي، وفي هذه الزاوية تطرقنا إلى معضلة أزمة السير في الدول الخليجية الطارئة حديثاً على منطقتنا، بشكل مزعج ومؤرق وأصبحت ظاهرة يعاني منها الجميع وذكرنا أن لهذه الظاهرة عدة أسباب سنعرج عليها لعلها تجد أذناً صاغية أو حلولاً ناجعة (لاجتثاثها) من شوارعنا التي أصبحت كابوساً غير (سالك): أولا: ازدياد عدد القادمين إلى منطقة الخليج العربي التي أصبحت مصدر جذب والوجهة الأمثل للراغبين في العمل أو الاستثمار في ظل التسارع في النمو والتطور الاقتصادي الذي تشهده الدول الخليجية ناهيك عن الأمن والاستقرار الذي تنعم به هذه الدول قياسا مع الكثير من الدول الاخرى المضطربة وغير المستقرة والتي هرب منها أهلها بحثاً عن الاستقرار والطمأنينة. ثانياً: تزايد عدد السيارات الخاصة لأسباب كثيرة أهمها تدني أسعار هذه السيارات لأن هذه المركبات سهلة الاقتناء لكل من يأتي لدول الخليج العربية متعطشاً وراغباً باقتناء السيارة التي لا يستطيع امتلاكها الوافد في بلده (وهذه عقدة عند بعض الشباب العربي)، بالإضافة إلى ما يقدم للراغب بامتلاك السيارة الخاصة من تسهيلات مصرفية تجعل من اقتناء السيارة بمتناول الجميع حيث لا يستغرب ان تجد أكثر من سيارتين أو ثلاث لدى العائلة الواحدة، سيارة لرب الأسرة وأخرى للزوجة وكذلك سيارة العائلة. ثالثاً: هناك مشكلة حقيقية بالنسبة للمواصلات العامة حيث يتجه معظم الناس لامتلاك سياراتهم الخاصة ومن هذه الأسباب عدم وجود وسائط نقل عامة مريحة ورخيصة ومتوفرة في كل الأماكن ولاسيما العواصم الكبيرة المكتظة بالسكان بالإضافة إلى أن الطقس في معظم الدول الخليجية لا يسمح بالتنقل بواسطة المواصلات العامة بالإضافة إلى وضعها الحالي الذي لا يليق بالاستخدام والراحة والتمتع بها حتى وصول العمل أو العكس ولا يوجد فيها وسيلة إغراء للراكب ليستبدلها بسيارته الخاصة. ويمكننا القول أيضاً ان المواطنين والمقيمين في دول الخليج لم يتعودوا بعد على (ثقافة المواصلات العامة) التي أثبتت نجاعتها في الكثير من دول العالم، حيث نرى في معظم الدول الأوروبية الكثير من الناس الذين يفضلون استخدام المواصلات العامة على استخدام سياراتهم الخاصة، وهم بذلك يوفرون الوقت والوقود و(حرق الأعصاب) ولعل من أكثر المشاهد التي تطالع من يزور هذه الدول هي كثرة المستخدمين للمواصلات العامة واستغلال الوقت اللازم للوصول إلى الأماكن المقصودة من خلال القراءة أو التحدث مع الاصدقاء والزملاء سواء في حافلات المترو أو القطارات أو الباصات، بمعنى آخر نرى أن هنالك توجهاً عاماً لاحترام المواصلات العامة وتفضيلها على السيارات الخاصة ولا فرق بين المواطن والوافد اللهم (إلا بالكرسي)، أما في دولنا الخليجية فمع الأسف فإن هذه الثقافة غير موجودة أبداً، إذ يعتقد البعض أن استخدام المواصلات العامة أمر يقلل من أهمية الشخص أو مستواه الأجتماعي وهو مفهوم خاطئ! ونلاحظ هنا أن مدينة دبي اتجهت مؤخراً للاهتمام بالنقل عبر انشاء مشروع قطار (مترو) لحل الأزمة المرورية المزمع تشغيله عام 2009، كما شهدت أكثر من مدينة خليجية كبيرة أهتماما بقطاع النقل العام في محاولة منها للحد من الآثار السلبية للازدحامات المرورية التي أصبحت ظاهرة تستنزف الجميع. رابعاً: إن الحد من استيراد السيارات قد يبدو أحيانا أمراً مطلوبا في ظل استمرار الأزمة لا سيما وأن البنية التحتية في الكثير من المدن الخليجية ومنها دبي لم تصمم لاستيعاب هذا الكم الهائل والكبير من السيارات وأمواج الاكتظاظ السكاني. وعندما قدمت اقتراحاً لأحد القادة المعنيين في دولة خليجية بأنه من الممكن تحديد عمر معين للسيارات التي تسير في شوارع العاصمة أو المدينة المزدحمة مثلا سنة الصنع اكثرمن 2000م فرد علي بالقول "هل تعلم ان هذه السيارات تمثل (بقرة حلوب) للدولة فتجديد الرخصة والتصليحات والمواقف وتعبئة الوقود وتأمين السيارة وكذلك المخالفات مثل مخالفات الرادار وغيره تدر إيراداً كبيراً للدولة"! خامساً: من الممكن في ظل استمرار الازمة المرورية المستفحلة الحد من اعطاء رخص السير وتقنينها بحيث تمنح لأصحاب المهن التي يحتاج أصحابها للسيارات الخاصة، خاصة وأننا كثيراً ما تجد شبابا ومراهقين يمتلكون سياراتهم الخاصة التي يستخدمونها في أغراض أو أمور غير مناسبة، وربما دون الحصول على رخص القيادة، في حين أنه في بعض البلدان المتقدمة يعتبر الحصول على رخصة القيادة أمراً صعب المنال بل قد يكون أصعب من الحصول على جنسية البلد نفسه، الأمر الذي لا داعي لذكره هنا لأنه ليس موضوعنا، زد على ذلك ما يمكن أن ينتج عن تهور الشباب من حوادث مؤسفة تجعل من النزيف الدموي اليومي الذي تشهده الطرقات في تزايد مستمر في الحوادث المرورية. ومع أن الحديث عن الأزمات الخانقة هو حديث شجون لا نهاية له في وقتنا الحالي ولا يوجد ما يلوح في الأفق لحل هذه الأزمة المتكررة يومياً والمنفرة إلا أنه من المفيد أن يبقى الأمل قائماً في معالجة هذه الآفة الخطيرة التي أصابت معظم المدن الخليجية الرئيسية، عبر وضع دراسات جدية ومستفيضة ذات جدوى وأبحاث علمية حقيقية تفتش عن أنجع السبل والحلول للتخلص من هذا الكابوس الذي بات يجثم على صدور المواطنين والمقيمين في هذه المنطقة كما يجثم المرض العضال! ويكفي هنا أن أقول إنني أعمل في مدينة دبي ويفصل بين بيتي وبين عملي 40كيلومتراً تحتاج مني أربع ساعات أحياناً إذا لم يكن أكثر، فإلى متى ننتظر وإلى متى تبقى أعصابنا تنزف وعقارب الساعة تدور وأوقاتنا تذهب هدراً، إنه سؤال مشروع لا بد من الإجابة عليه لأن مشكلة كهذه لا تقبل التسويف بحلها أو الانتظار أكثر، لأنها لا تنعكس بسلبياتها على الفرد فحسب وإنما على المجتمع الخليجي، واقتصاديات الدول الخليجية بشكل عام، إنها أزمة حقيقة عالقة تبحث لها عن "مخرج"!! @ المدير الإقليمي لمكتب دبي