لم أركب المترو في دبي سوى مرة واحدة، وهي مرة استكشافية، بعد أشهر من افتتاح مترو دبي، وركبت من أول محطة حتى نهاية المحطة الأخيرة. كان المترو وقتها مثل عروس، يلمع بجدَّته وفخامته وطاقم العاملين فيه. التقنية المتفوقة التي تشغل المترو كانت هي النجم الأول في مشروع دبي، بدءاً من قيادته من دون قائد، وانتهاءً بالحصول على تذاكر، ثم تأتي الفخامة والنظافة كنجمين تاليين، لكنه دون شك زاد هذا المترو من كونه خدمة مرورية إلى كونه معلماً سياحياً صرنا نشجع كل من يزورنا في دبي أن يجرب ركوبه، أو يركبه في طريق العودة متجهاً إلى محطة القطار. حين افتتح المترو راجت حوله بعض التحفظات والمخاوف والشائعات، ولعل أهمها شائعة خروج المترو عن مساره وسقوطه. الروح العربية المنهزمة التي لم تعهد أن يحرز العرب أي تقدم ملحوظ في واقعهم أكدت أن المترو لن ينجح في دولة خليجية ثرية يمتلك معظم ساكنيها السيارات الفارهة، ويفضلون الرفاهية على بذل الجهد، متناسين أن كل الدول الخليجية تضم قطاعاً كبيراً من الوافدين العاملين والزائرين، وفئات تشكل قطاعاً كبيراً من الدولة البيروقراطية، وهؤلاء ليسوا بالأثرياء، وليسوا بالمتعالين على فكرة استخدام الوسائل العامة للنقل لأنهم لا يعيشون مفاهيم الثراء كما نعيشها نحن، زد عليها وجود فئات من النساء والمراهقين لا يمتلكون رخصة القيادة، وفئات أخرى ممن يحبون تجربة الجديد والاندماج السريع دون مشاكل. اليوم أعلنت هيئة الطرق والمواصلات أن مترو دبي بعد عام من تشغيل الخط الأحمر - الذي يمثل عشر محطات من 21 محطة - قد حمل العام الماضي 30 مليون راكب، وقد صاحبت هذه الاحصائية أرقام مصاحبة عن حقائق أخرى، مثل عدد المخالفات، عدد البطاقات التي صدرت. حكومة دبي التي تعتمد التقنية المتقدمة قادرة علي تزويدك دائماً بالأرقام. في كل مناسبة تستطيع دائماً الحصول على أرقام، وهذا أكثر ما نفتقده في الدول العربية. فنحن نعلن تطورنا أو تراجعنا أو مخاوفنا بوجهات نظر لا أحد يعرف على ماذا بنينا هذه التوجهات أو التوقعات أو الآمال. مترو دبي ب 30 مليون راكب هو أول نتيجة معلنة عن عدم صدق مخاوفنا بأننا نزرع المترو في ثقافة لا تناسبه. ليس دائماً الثقافة هي السابقة على القانون في الدولة الحديثة، القانون والانجاز سابق على الثقافة، والثقافة تأتي لاحقاً وخاصة عند الأجيال القادمة التي ستجد أن هذا الانجاز جزء من وجودها، ومن ثم تتشكل معه ووفقاً لظروفه. مترو دبي لم يحمل فقط 30 مليون راكب، بل وفر فرص عمل للمواطنين، وقدم خدمات مساندة لهيئة الطرق والمواصلات، فماذا عنا نحن الذين تغص شوارعنا بآلاف السيارات التي تجاوزت عمرها الافتراضي لمجرد أن أصحابها من محدودي الدخل، والعاملين والموظفين البسطاء ممن لم يجدوا بديلاً عن السيارة سوى باصات خط البلدة؟ ماذا عن آلاف النساء المحرومات من القيادة واللاتي يحتجن لمراجعة المستشفيات او الوصول لأعمالهن إن لم يتوافر لهن سائق أو ولي متفرغ لهن؟ وماذا عن المراهقين الذين يحبون التنقل لكنهم دون السن القانونية للقيادة؟ أنا شخصياً أفضل أن أذهب لعملي بمترو على أن أقود سيارتي كل يوم، خاصة إذا توافر لي مثل مترو دبي، قاعات نظيفة ودرجة أمن عالية. [email protected]