انطلقت صباح أمس "الأحد" في مدينة دبي فعاليات مؤتمر توجهات العطاء العربي تحت عنوان (من العمل الخيري إلى التنمية)، وذلك بالتعاون مع مركز جون د. جرهارت للعطاء الاجتماعي والمشاركة المدنية في الجامعة الامريكية في القاهرة، وقد شهد الافتتاح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وصاحب السمو الملكي الأمير تركي بن طلال، والأمير بندر بن سعود بن خالد، والشيخ صالح كامل، والملكة رانيا العبدالله وبحضور أصحاب السمو والمعالي والسعادة وعدد من الوزراء والمسؤولين والدبلوماسيين من داخل الإمارات وخارجها، وبحضور مكثف لوسائل الإعلام الخليجية والعربية والعالمية. يهدف المؤتمر إلى بحث مستقبل العطاء الاجتماعي في المنطقة العربية في الوقت الذي تشهد فيه دول المنطقة تنامياً ملحوظاً في مبادرات العطاء من قِبَل المؤسسات الخاصة، والشركات، والافراد المهتمين بالتنمية الاجتماعية، حيث يأتي ذلك تزامناً مع حدوث تحول نوعي في أنماط العطاء الخيري التقليدية وتبني نماذج جديدة ذات أبعاد استراتيجية أكثر فعالية واستدامة من الجانب التنموي. وشارك في المؤتمر لفيف من رواد العطاء العربي، وعدد كبير من صناع القرار، وقيادات الأعمال، والخبراء، والباحثين حيث ناقشو جملة من الموضوعات المهمة تشمل استراتيجية العطاء الاجتماعي، والاستدامة المالية، وممارسات المسؤولية الاجتماعية لشركات القطاع الخاص. ويأتي المؤتمر في أعقاب دراسة إقليمية تعد الأولى من نوعها لحصر توجهات العطاء الاجتماعي في المنطقة العربية أعدها مركز جون د. جرهارت في الجامعة الامريكية في القاهرة، وتشمل المرحلة الاولى ثماني دول عربية تضم الإمارات العربية المتحدة، جمهورية مصر العربية، المملكة العربية السعودية، الكويت، قطر، فلسطين، لبنان، والمملكة الأردنية الهاشمية. ورصد المؤتمر أفضل الآليات وأكثرها فعالية من أجل نشر الوعي حول أهمية دور العطاء والتكافل الاجتماعي في بناء مستقبل المنطقة والتغلب على المشكلات الناجمة عن محدودية الموارد، وتذليل العقبات التي قد تعرقل مسيرة التنمية العربية، ونحن واثقون من قدرة المشاركين على تقديم تحليل دقيق يصف الوضع القائم ويرصد الاقتراحات والأفكار اللازمة لتعزيز مجالات العطاء الاجتماعي في العالم العربي. وقال السيد نبيل اليوسف، المدير التنفيذي بالإنابة لمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر إن قيم العطاء والتكافل الاجتماعي هي قيم متأصلة في ثقافتنا، تضرب بجذورها عميقةً في تكوين الشخصية العربية. ومع التحولات الكبيرة التي بات العالم يشهدها على كافة الأصعدة، أضحى التحول من جهود العطاء التقليدية إلى أنماط جديدة ذات أبعاد استراتيجية أمرا حتميا، ما عزا إلى ظهور أشكال جديدة من العطاء ذات آثار إيجابية مستدامة. وقال محمد القرقاوي رئيس مجلس ادارى مؤسة محمد بن راشد في كلمته أن تحديات التنمية والتقدم تظل مستعصية إذا لم تتضافر جهود الحكومات والأثرياء والشركات العامة والخاصة والمنظمات المهنية والجمعيات الأهلية، موضحاً أن هذه الحقيقة تنطبق على الدول المتقدمة والغنية تماماً كما تنطبق على الدول النامية والفقيرة. وشدد في كلمته على أن هذه الحقيقة أشد سطوعاً في العالم العربي وأكثر وضوحاً، لأن بعض مشاكلنا مستفحل ومزمن وخطير. واستعرض القرقاوي عدداً من المشكلات التي تواجه المجتمعات العربية ومنها مشكلة الأمية التي تزداد بدلا من أن تنقص، مشيراً إلى تقرير المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة الصادر قبل أسبوعين والذي أشار إلى أن عدد الأميين في العالم العربي وصل إلى مئة مليون شخص، فضلاً عن تفاقم البطالة وتوقع ازدياد معدلاتها في السنوات المقبلة. وأضاف: أما متطلبات انتقال المجتمعات العربية الى عصر المعرفة فتحتاج إلى جهود ضخمة واستثمارات كبرى في تطوير التعليم العام والجامعي والبحث العلمي"، موضحاً أن الحكومات العربية غير قادرة وحدها على مواجهة هذه التحديات وسد هذه النواقص، ما يتطلب مشاركة فاعلة للمجتمع بكل فعالياته وفي المقدمة منها مؤسسات العمل الخيري وعطاءات أهل الخير، مشيراً إلى ضرورة الإفادة من تجارب الآخرين الناجحة في هذا المضمار التي تؤكد أهمية الجهد الاجتماعي الذي تقوده الحكومات وتشارك فيه مؤسسات المجتمع المدني. وشهدت وقائع الجلسة الأولى من جلسات المؤتمر مناقشات مهمة حول دور العطاء في دعم جهود التنمية العربية وأهمية الشراكة بين القطاع الخاص والحكومات في تعزيز مجالات العمل الخيري في العالم العربي. وخلال كلمته في مستهل الجلسة قال د.طارق يوسف عميد كلية دبي للإدارة الحكومية في دبي: "إن أهمية الدراسة النوعية والريادية التي قام بها مركز جرهارت تتعاظم بفعل غياب المعلومات وندرة البحوث التي شكلت تحديا كبيراً أمام القائمين على العمل الخيري والعطاء الاجتماعي؛ مشيرا إلى أن نتائج الدراسة قد تشكل رافدا رئيسياً لفتح قنوات جديدة لإثراء النقاش وتحديد أولويات العمل المطلوبة ولفتح آفاق جديدة أمام العطاء العربي." من جانبها وجهت د. باربرا إبراهيم الشكر للحضور والقائمين على المؤتمر لمنحها الفرصة لتقديم نتائج الدراسة التي أجراها مركز جون د. جرهارت للعطاء الاجتماعي والمشاركة المدنية، وقالت "إن المشاركة الديناميكية والحيوية للمؤسسات المختلفة خلال أيام المؤتمر ستثري النقاش وستجعل الجهود المبذولة مفيدة بالقدر المطلوب، في وقت يشهد فيه العالم تغييرات اقتصادية كبرى مع اختلاف وتنوع مصادر الدخل". وأكدت د. إبراهيم أن القائمين على الدراسة اتفقوا فيما بينهم على تعريف جهودهم بالعطاءات الخاصة للصالح العام، والتي يرغب الجميع بمنحها طابع الديمومة والاستمرار من أجل أن ينعكس ذلك على المجتمعات المستهدفة على المدى الطويل، كما أن أي جهود للاسثمار في المجتمع ستساهم في تحقيق التطوير ومخاطبة القضايا النبيلة. ودعت د. باربرا إبراهيم المؤتمر إلى تطوير وثيقة تجمع أفضل الممارسات في مجال العطاء والعمل الخيري، وإلى دراسة تأثير العمل الخيري على المجتمعات والاستفادة من تلك النتائج لوضع السياسات التي من شأنها تقليل الفجوة بين من يحتاج إلى المساعدة وبين رواد العمل الخيري الذين يتطلعون إلى إيجاد آليات معينة لتطوير أعمالهم، مشيرة إلى أن العديد من حكومات الدول العربية لم تتمكن من القيام بكافة الأعمال المطلوبة منها تجاه مجتمعاتها. وفي ذات الجلسة تحدث فادي غندور رئيس ومؤسس أرامكس حول أهمية الدور الذي يضطلع به القطاع الخاص في حل مشاكل الشباب والبطالة وخلق فرص العمل والنهوض بالتعليم. واعتبر غندور القطاع الخاص أكثر قدرة وجدارة من القطاع العام في دعم المجتمعات، وقال" نحن نسعى إلى أن نكون مؤسسات ربحية، فمن الطبيعي أن يكون القطاع الخاص أكفأ في دعم المجتمعات من خلال العطاء والعمل الخيري، آن الأوان أن نقوم بدورنا الاجتماعي التنموي الأساسي في الحلول، وطرح الحلول الجذرية فلدى القطاع الخاص قدرات هائلة وهو على الدوام مستعد للشراكة في هذا السياق". كما تحدثت في الجلسة الأولى منى أبو سليمان من شركة المملكة القابضة، حول دور الأوقاف الإسلامية في مجال العمل الخيري في البلدان العربية، وقالت ان هناك بعض المشكلات التي قد تعتري بعض مؤسسات العمل الخيري في خصوص الشفافية وقلة الكفاءات إلى جانب عدم تمتع مشاريع العمل الخيري في بعض الأحيان بالاستمرارية. وواصلت أبو سليمان حديثها قائلة ان معظم الدراسات الحديثة في هذا المجال يتم نشرها باللغة الإنجليزية، ولا يتم الاستفادة منها الا بنسب قليلة من الشباب العربي رغم أن جميع الفئات العمرية بحاجة إليها. وقالت إن الأهم هو إيجاد طريقة الشراكة فيما بين العرب لترابط وتداخل المشكلات التي تواجه المنطقة. وفي مداخلة للشيخ صالح كامل رئيس الغرفة الإسلامية للتجارة والصناعة، رئيس مجموعة دلة البركة، قال: لقد سعدت جدا بنتائج الدراسة، وأضاف إلى أنه عمل مع فريقه على مجموعة من الأفكار المشابهة لكي يقود العمل الخيري إلى التنمية، من خلال أهداف رئيسية تتثمل بإحياء القيم الأخلاقية، وتعميم قيم التكافل الاجتماعي، ونشر اللغة العربية في العالم، مشيرا إلى أن الحضارة الإسلامية بنيت على الوقف، الذي بات يواجه عددا من التحديات والمعوقات التي تحد من تأثيره.