حيثُ أقيم تقع أمام ناظري حديقة تحوي أربعة مربعات مُتتالية يفصلها ممرات مرصوفة يُسقيها فجراً بستانيّ شاب مفتول العضلات يبدأ سقاية المُربّع الأول فالثاني والثالث وأخيراً الرابع، لاحظت أن المربع الأوّل أكثرها كثافةً في الشُجيرات والأزهار وأنظرها إخضراراً في نجيلته (الثيِّل) ثم تخفّ هذه الكثافة ويبهت الاخضرار في المربع الثاني والثالث إلى أن تُصبح في المربع الأخير عبارة عن هياكل نباتية ذابلة وبقايا من زهور ذاوية وتناتيف من أعشابٍ متفرّقة على أرض مجدورة.! راودتني نفسي لمعرفة السبب فالحكاية فيما يبدو تستحق المُتابعة وساعدني في كشف المستور كوني من الذين يستيقظون باكراً، وقت قيام البستاني بسقاية الحديقة فلاحظت أولاً أنه يُسقي الحديقة بخرطومٍ تتدفق المياهُ خِلاله من منابعٍ في كُل مربّع لها مصدر فيبدأ صاحبنا سقاية المربع الأول بكل نشاطٍ وحيوية واندفاع وبعد أن يُغرِق الأرض بالمياه يسحب ذات الخرطوم إلى المُربع الثاني حيث صنبور المياه وقد خفّ حماسه ووهنت حيويته وهكذا إلى أن يصل للمربّع الأخير(الرابع) بلا حيويّة تّذكر حيث يعمل بتثاقل وبدون نفس فيرش الماء على عجلٍ وبهذا قد يتخطّى بعض المساحات دون سقاية لأنهُ وصل الى نقطة اللا حماس، عندها عرفت سبب ازدهار المربع الأول..! نسيت أن أقول لماذا يركض البستاني فجراً لكي يُتم عمله على غير عادة (بعض) العرب الذين يبدؤون نهارهم والشمس في كبد السماء..! السبب أيها السادة أن هناك مراقباً للأداءِ يأتي الساعة الثامنة صباحاً كي يفحص المكان لمعرفة مدى قيام البستاني بعمله على خير ما يُرام، ويُرام هذه لا وجود لها على أرض الواقع إذ يُرهقه صاحبنا في تفقّد المربعات الأول والثاني ثم يصرف نظره عن بقيّة المربعات في اللف والدوران حتى يدوخ المراقب السبع دوخات فينصرف بتقريره ( كلّه تمام يا أفندم)..! استعرضت المشهد ووضعته في رُكن مُخيلتي ثم استحضرت مشاهد أداء غالبية التنفيذيين في الأيام الأولى لتنفيذ أيّ خطّة عامة أو خطة طوارئ وكيف أن الحماس هو سيّد الموقف ثم يخفّ تدريجيّاً مع مرور الوقت حتى يصل الحال الى ما يُشبه المربع الرابع لصاحبنا البُستاني...! تلك العلّة وهذا هو تشخيصها...التراخي..! نعم التراخي، فلنُعلّم الشباب في المدارس والمعاهد ومراكز التدريب ومعسكرات صنع الرجال أن المربع الأخير هو الأهم وأن العِبرة بالنهايات وليست في إبهار البداية عندها يُمكن القول بأننا قد خطونا نحو الأمام بشكلٍ جاد... لنُجرب.