مع التغيرات الأكاديمية العالمية وارتباطات أسواق العمل بالتخصصات الجامعية تأثرت التخصصات الإنسانية بشكل أكبر، وكان لتخصص التاريخ نصيب كبير من هذا التأثر. وسأستعرض هنا معاناة هذا التخصص في المملكة المتحدة، وهي الدولة التي حصلت منها على درجتي الماجستير والدكتوراه. فقد شهد عام 2025 تخفيضات في الميزانيات وفقدانا للوظائف في بعض الجامعات مثل جامعات كانتربري كرايست تشيرش ونورثامبتون وستافوردشاير إعلانات من كارديف ودورهام ونيوكاسل وريدينغ وكينت. ومازال عدد الجامعات التي تسعى حاليًا إلى تخفيض عدد الموظفين، وتقليص الدورات الدراسية، وإعادة الهيكلة، والاندماج في تصاعد. لذلك صدر بيان مشترك عن كل من الجمعية التاريخية، وتاريخ المملكة المتحدة، ومعهد البحوث التاريخية، والجمعية التاريخية الملكية متضمناً بعض الخطوات التي قد تعزز من الإقبال على دراسة التاريخ بين الطلاب، ومن أهم هذه الخطوات التواصل بين المدرسة والجامعة لمعرفة أسباب عزوف بعض الطلاب عن دراسة التاريخ؛ ومعرفة أسباب تراجع الدعم لتدريب مُعلّمي التاريخ في جامعات المملكة المتحدة؛ والحاجة إلى التعبير بشكل أكثر وضوحًا وقوة عن المهارات المهنية والشخصية والمدنية المتأصلة في دراسة التاريخ. يتم بعدها تعريف مجتمعات الطلاب وأولياء الأمور والمعلمين وأصحاب القرار بهذه الجوانب الإيجابية. ثم ضرورة التأكيد على أهمية تخصص التاريخ كتخصص أكاديمي على مستوى الجامعة وهو التخصص الذي يواجه تحدياً كبيراً في تأكيد أهميته على الرغم من شعبيته الهائلة على نطاق واسع والتي تتجلى في إقبال الجمهور على المواقع الأثرية والتاريخية، والبودكاست، والأفلام أو التلفزيون، والبحوث الخاصة.. إلخ. وقد جاء في التقرير حول هذه النقطة: «إلا أنه (تخصص التاريخ) يتعرض لضغوط متزايدة في التعليم العالي تحديدًا. فبالإضافة إلى التحديات التي تفرضها البنية التحتية للتعليم العالي المُفرطة التسويق، فإنه يتعرض بشكل متزايد للتعليقات غير المستنيرة حول قيمته مقارنةً بمجالات الدراسة الأخرى». مثل هذه التحديات التي يواجهها تخصص التاريخ في الجامعات البريطانية يبدو أنها لا تختلف كثيراً عن بقية دول العالم. ففي خضم التوجه نحو سوق العمل ومتطلباته قد لا يجد هذا التخصص البيئة المناسبة للتسويق لنفسه ومنتسبيه. ولكن مع التكيف والاندماج والتطوير يستطيع أن يستعيد وهجه وجاذبيته ومنافسته، لا سيما أننا في المملكة نحظى برؤية تطويرية شاملة (رؤية 2030) يمثل تخصص التاريخ أحد أهم مرتكزاتها.