يُقال إن ذاكرة المدن هي أقوى ذاكرة، فهي لا تحمل اسمًا عابرًا فقط بل تحمل الهوى، والهوية، والمعالم، والأحداث، والأماكن، تحمل القصص والحكايات والتفاصيل التي تتوهج عند ذكرها، والبحث في خارطتها، ولذلك تعد مدن المملكة العربية السعودية من أكثر المدن التي تحمل تلك الذاكرة، لما لها من أبعاد عميقة، ولما تحويه من إرث ثقافي باهر، وقد أثارت (رؤية 2030) ذلك الموروث بجدارة، وصوبت الأنظار نحوه، وجعلته وِجهةً سياحية لامعة، فتلك الرؤية العظيمة منعت الانطفاء، وعملت بشكلٍ كبير، وفعال على إحياء الذاكرة الجمْعية للمدن، وعلى إثرائها، وعلى حفظ الهوية، ونقلها إلى الأجيال الأخرى، وتصديرها إلى العالمية، لتصبح المملكة العربية السعودية مقصدًا لكل الناس دينيًا وسياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا وسياحيًا وعلاجيًا، وقد برزت المدن السعودية بقوة، وخاضت المنافسة مع المدن العالمية، فبتلك الرؤية دخلنا إلى التاريخ وتجاوزنا الكثيرين، وأصبحنا في مصاف الدول الكبرى، الرؤية عكست مواضع القوة، والقدرات الكامنة والظاهرة لهذا البلد العظيم، ولو بحثنا في الأمر أكثر سنجد أن الغالبية منَّا لم يكن يملك المعلومات الكافية عن تلك المدن، ولكن جهود الرؤية سعت إلى إظهارها وإبراز أسرارها وجمالها، والبوح بثقافاتها المتعددة والتي تعتبر مصدراً للاعتزاز والسمو والفخر، الرؤية استقطبت المجتمع المحلي والعالمي، ومنحت أبناء المناطق المحلية الفرصة لكشف ثقافتهم بكل أنواعها، من أماكن، وعمران، وأزياء، ومأكولات وفلكلور شعبي، وعادات وتقاليد، وقربت المسافات فأصبحنا ننتمي إلى كل المناطق المختلفة على هذه الأرض الطاهرة، فنزور معالمها، ونبحث في عاداتها، ونرتدي أزياءها، ونتعلم أسرار مأكولاتها، ونقوم بإحصاء ما نملك من ثقافات متعددة، وحتى أن الجيل الناشئ أصبح شغوفًا بالبحث في نواة المدن المحلية، والتي أصبحت نابضة بالحياة، وبالأحلام، وبالثقافة، أيضًا على الصعيد الاجتماعي زادت العلاقات والروابط الإنسانية بين أفراد المجتمع من خلال الخوض في إرث تلك المدن، كما ساهمت الفعاليات الثقافية في المدن المختلفة على الاندماج الفكري والثقافي بين أدباء المناطق، ويسرت لهم الطريق لتناقل المعرفة، واكتشاف التعدد العظيم والالتحام الأكبر به، أما على الصعيد العالمي فقد أصبحت مدننا العريقة وِجهة للعالم، وأصبحت شوارعنا ممتلئة بالسياح، وأصبحت مطاراتنا تعج بالتنوع البشري، فارتفاع جودة الفنادق والمطاعم، والأماكن الترفيهية، والفعاليات المتنوعة قد ساهم في هذا الإقبال العالمي، وذلك إضافةً لما تحمله المنطقة من ثراءٍ ثقافي ومعرفي وتاريخي، المحافظة على ذاكرة المدن، تُرْوي ذاكرة سكانها وزوارها، ويحمي ملامحها من الزوال، (رؤية 2030) سعت إلى جودة الحياة، وحققت الكثير من أهدافها، وما زالت تحقق، فهي رؤية مختلفة تحمل في مخرجاتها دلالة حقيقية على قيادة عظيمة ووطن مزدهر. نجوى العمري