بانطلاقة إبداعية مميزة ، يتشكل المشهد الثقافي على خارطة السياحة السعودية ، في تكامل وتناغم رائع ، لما للثقافة ( كما الفنون والتراث والترفيه) ، من تأثير عميق ينقش صورا ذهنية حضارية في التجربة الانسانية للسائح. هذا الحضور الثقافي تتجسدّ معالمه في النقلة النوعية لمواسم السياحة التي حققتها المملكة ، وخطى استدامتها من خلال استراتيجية وزارة السياحة، واهتمامها بالمعارض ، وكنوز فريدة من المواقع التراثية التي تشكل متاحف مفتوحة فريدة ، تعكس العراقة والإرث التاريخيّ مما يجعلها وجهةً سياحيةً من طراز رفيع المستوى. تمثل السياحة الثقافية أكثر من 10 % من إجمالي السياح في العالم، فيما تشير تقديرات منظمة السياحة العالمية إلى أن هذا النوع من السياحة ينمو بمعدل 15 % سنويا، ويشكل ما نسبته 11 % من مجمل الإنتاج العالمي، ويوفر 200 مليون وظيفة حول العالم. وفي المملكة تحتضن سياحة الثقافة والتراث أنشطة عديدة ، وتشرع ذاكرة التاريخ والعادات والتقاليد المتصلة عبر المعارض والمهرجانات التي تتجسد في فضاءاتها عبق الكنوز الأثرية في المدن والقرى التراثية، والطرق التاريخية والأسواق والمأكولات الشعبية ، والفلكلور الأصيل، والصناعات التقليدية، وجميعها جذور تاريخية لثقافات المجتمع. وطبقا لاستراتيجيتها الشاملة ، تضطلع الوزارة والهيئات المعنية ، بالمحافظة على التراث الثقافي الوطني وتنميته ، كمسؤولية جماعية يساهم فيها كل مواطن من خلال إثراء المعرفة والرفع من الوعي لدي المواطنين بتراث وثقافة المملكة ، واستثمارها من خلال تحويل عناصرها ومقوماتها إلى مشاريع سياحة وثقافية وتراثية حيوية ، وقيمة ومستدامة تحقق منافع اقتصادية واجتماعية وتعزز الهوية الثقافية. العناية بالتراث الحضاري ضمن "برنامج خادم الحرمين الشريفين؛ للعناية بالتراث الحضاري" تسهم المشاريع التراثية الجديدة، في تحقيق زيادة نوعية كبيرة لدعم السياحة الثقافية في المملكة، ضمن المبادرات الداعمة لرؤية 2030 ومستهدافها الطموحة بالنماء والازدهار والتميز لحاضر ومستقبل الوطن وأبنائه جيلا بعد جيل. وتشمل مشروعات برنامج خادم الحرمين الشريفين، المحافظة على مواقع التراث العمراني، تنمية القرى التراثية، إنشاء وتأهيل وتجهيز المتاحف في المناطق، تنمية الحرف والصناعات اليدوية، التوعية والتعريف بالتراث الوطني، وتوفير التمويل من الدولة لمشاريع التراث العمراني ومشاريع التراث الحضاري. الاستثمار السياحي وككل القطاعات ، يمثل الاستثمار شريان النمو والتطور السياحي الوطني وتعزيز خارطته عالميا ، فإلى جانب المشروعات الكبرى التي يقودها صندوق الاستثمارات العامة في( نيوم والبحر الأحمر والقدية وآمالا ، وقلب جدة ) واستراتيجيات السياحة في المناطق ، ينشط القطاع الخاص في بناء مستقبل السياحة في المملكة ومنها السياحة الثقافية ، وفي هذا الاطار ، وقع صندوق التنمية السياحي مؤخرا، مذكرة تفاهم مع صندوق التنمية الثقافي، بهدف دعم وتشجيع القطاع الخاص وجذب المستثمرين إلى القطاعين السياحي والثقافي، وذلك في إطار الجهود الدائمة لتنمية القطاعين وتطوير ودعم المحتوى المحلي، وتعزيز قدرات الابتكار والإنتاج فيهما وتنمية المواهب في المملكة، إضافةً إلى تعزيز الأدوار التكاملية بين الصناديق والبنوك التنموية التابعة لصندوق التنمية الوطني. العلا تتحدث تعد العلا إحدى الواجهات العريقة للتراث العالمي ، وقد وثقت اليونسكو ذلك لمقوماتها البيئية والثقافية والتاريخية المتميزة، ويحسب للهيئة الملكية لمحافظة العلا المبادرة بتجهيز المواقع التراثية، وتسويقها عالمياً ومحلياً، وفتحها للزوار على مدار العام، باعتبارها تاج السياحة الثقافية ، ونجحت ولا تزال في تسويق الفرص الاستثمارية الكبيرة والابتعاث للكوادر الوطنية من أبناء المحافظة في تخصصات هذا المجال ، وتطوير منظومة ريادة الأعمال لدعم اقتصاد المجتمع المحلي والاقتصاد العام من خلال إستراتيجية تنموية شاملة ومستدامة للمحافظة. وقد اختُتِمَت قبل أيام فعاليات النسخة الأولى من موسم "لحظات العلا" الذي استمر حتى نهاية مارس من العام الحالي، حيث قدّم مجموعة متميزة من الفعاليات التي تحتفي بالإرث التاريخي والثقافي لمحافظة العلا،وكونها نقطة التقاء الحضارات القديمة على مرِّ العصور. وتحت شعار "احتفل بكل لحظة مع لحظات العلا" جاء تحت مظلة الموسم هذا العام أربع مهرجانات مميزة هي، مهرجان "شتاء طنطورة"، ومهرجان "فنون العلا"، ومهرجان "سماء العلا"، ومهرجان "العلا للاستجمام والاسترخاء" ، وحقق الموسم نجاحاً باهراً ، و شهد مطار العلا زيادة كبيرة في عدد المسافرين مع زيادة الرحلات المحلية من مدن الرياضوجدة والدمام،وافتتاح رحلات مباشرة من باريس ودبي. كما شمل الموسم العديد من الفعاليات المميزة التي أُقيمت في المواقع الأثرية كحفل "كلاسيكيات على ضوء الشموع" في الحجر، وعرض أزياء الفرسان ، وحفل الموسيقى في العصور القديمة في جبل عكمة، وحفل "سيمفونية تحت النجوم" الذي أُقيم تحت صخرة القوس الشهيرة بالعلا. أيضا وضمن الأنشطة الواسعة ، شهد الموسم فعاليات مسرحية جديدة كمسرحية ابن بطوطة ومسيرة الخيل التي وفرت طرقاً جديدة للتفاعل مع تراث العلا المميز، لتستمر لحظات العلا في دمج تجارب تفاعلية جديدة في المواسم المقبلة لتكوين وجهة فريدة من نوعها إقليميا وعالميا.