التعاطف بالعدوى يحدث نتيجة تقليد الناس لبعضهم بفعل تأثير ما يعرف بالخلايا المرآتية، التي تنشط عند النطر لشخص يقوم بتصرف معين، وتعطي الناظر إليه أوامر بمحاكاته، بحسب قيمه الأخلاقية ووزن الشخص عنده، وهو تعاطف سام ودوافعه مربكة، ما لم يكن بين الآباء والأبناء، أو في الإطار العائلي، وفيه ضرر كبير على المقلد المتعاطف، كالتعاطف مع الجماعات الإرهابية وعصابات المخدرات وغيرها.. لاحظت دراسة نشرت في 2024، وقام بها معهد روك للاخلاقيات في ولاية بنسلفانيا الأميركية، انه عندما يخير الناس بين التعاطف مع انسان وحيوان في ذات الوقت، فإنهم يميلون الى الثاني بدرجة أكبر، ولعل السابق ثابت ومؤكد بالملاحظة المجردة في المجتمعات الغربية، وبمن يشبهونهم في المنطقة العربية، بخلاف وجود اشخاص في الخليج والمملكة يشعرون يتعاطف اكبر نحو الناقة والصقر مقارنة بالآدميين، ولكني اجد صعوبة في فهم غياب مسألة التعاطف، وتحديداً في حالة الحروب والمجاعات والكوارث الطبيعية، وبشكل فاضح لا اجد تفسيرا يبرره، الا اذ كان اصحاب هذه المواقف لديهم مشكلة عقلية، والمسألة ثابتة بالدليل العالمي، فالقشرة المخية للدماغ يوجد بها منطقة مسؤولة عن التعاطف، وتعطلها يؤدي لفقدانه، ويمكن الوقوف عليها في جمجة فينيس غيج، المحفوظة في جامعة هارفارد الاميركية، وفينيس تعرض لحادت عرضي في 1848 اخترقت فيه قطعة حديدة جمجمته وغيرت شخصيته تماماً. إضافة لما سبق، بعض المختصين يحيل الأمر الى هرمون الذكورة ال(تستوستيرون)، فقد اجريت دراسة في 2011 على مجموعتين من النساء أُعطيت إحداهن أقراصا لهرمون الذكورة، والمجموعة الثانية أخذت اقراصا لا تحوي شيئاً، واتضح ان من أخذن أقراص الهرمون تراجعت قدرتهن على التعاطف بشكل ملحوظ، واللافت تجربة قام بها علماء النفس في جامعة نورث ويسترون الاميركية على نوع من القرود اسمه (الريسوس) ونشرت عام 1964، فقد وجدوا انه يتعاطف مع فصيلته اذا تعرضت للضرر او الصعق الكهربائي، ولدرجة امتناعه عن الطعام لمدة 12 يوماً، بينما القضية عند الانسان نسبية، في رأيي، وتعتمد على الخريطة الجينية للمتعاطف معه وانتمائه الجغرافي، مثلما حدث في ألمانيا النازية، أو في حالة التعاطف الاوروبي مع اوكرانيا. المنظر الاجتماعي والاقتصادي جيريمي ريفكن تكلم في كتابه "الحضارة التعاطفية" عن تطور مفهوم التعاطف، وانه اخذ بعدا عالميا، بفعل منصات السوشال ميديا، وتجاوز الحدود الضيقة للتعاطف القبائلي والمناطقي والديني، والمثال الابرز على الأخير، تعاطف الخليفة العباسي المعتصم مع استغاثة المرأة صاحبة (وامعتصماه)، وتحريكه الجيوش الاسلامية لمدينة عمورية لمحاربة الروم، وحالياً يستطيع مؤثر مليوني منافسة المعتصم بدون ترسانة عسكرية، وعالم الاجتماع الالماني ماكس شيلر يري أن التعاطف قد يكون شخصيا، وقائما على الروابط الاجتماعية، او مصلحيا، كتعاطف بعض الشركات العالمية تجاه موظفيها، ومن الامثلة، ان شركة غوغل عندما ارادت تشجيع العاملين فيها على الأكل الصحي، قامت باستبدل الأرقام بالالوان في اشارتها لمعدل السعرات الحرارية، لان منسوبيها يتعاملون مع الارقام في اعمالهم، وهو يمثل تعاطفا عقلانيا ومدروساً لا تقمصا عاطفيا، وللعلم تعاطف المعتصم عاطفي وليس عقلانيا. في المقابل تعاطف صلاح الدين الايوبي مع ريتشارد قلب الاسد، وارسال طبيبه الخاص لمداواته وهو عدوه ينطوي على تعاطف عقلاني ومدروس، جعل صورة الاسلام المرتبطة بهذه الشخصية، وتحديداً في العالم غير المسلم، أفضل بمراحل من غيرها، ومن المؤكدات فيلم مملكة الجنة الذي انتجته هوليود عام 2005. يوجد نوع ثالث يسمونه التعاطف بالعدوى، ويحدث نتيجة تقليد الناس لبعضهم بفعل تأثير ما يعرف بالخلايا المرآتية، التي تنشط عند النطر لشخص يقوم بتصرف معين، وتعطي الناظر إليه أوامر بمحاكاته، بحسب قيمه الأخلاقية ووزن الشخص عنده، وهو تعاطف سام ودوافعه مربكة، ما لم يكن بين الآباء والأبناء، أو في الإطار العائلي، وفيه ضرر كبير على المقلد المتعاطف، كالتعاطف مع الجماعات الإرهابية وعصابات المخدرات وغيرها، وبالتأكيد لا يستحق كل الناس التعاطف، وتوظيف المجاملة واللطف معهم أنسب، لأنهم قد يستغلون ذلك في ابتزاز الآخرين، كما هو الحال في متلازمة ستوكهولم، وتعاطف الضحية مع الجلاد، وما أكثر هؤلاء بيننا. التعاطف قد يكون سلبيا وغير مفهوم، كتعاطف الأميركيين في 2021، مع الأميركي كاميرون هيرمن، وعمره 21 عاماً، حينما لم يستطع اخفاء صدمته من الحكم الصادر عليه، والذي تضمن سجنه لمدة 24 عاما، رغم انه قتل امرأة وطفلها دهسا بسيارته، ولا يعني ذلك تحييد التعاطف بالمطلق، وإلا سنقع في مفارقة حمار بوريدان، والتي تعود لفيلسوف فرنسي عاش في القرن الرابع عشر الميلادي، وهو جان بوريدان، وفكرته تقوم على تخيل حمار يقف في المنتصف ما بين طعام وماء، ويشعر بنفس الدرجة من الجوع والعطش، وفي رأيه، الحمار لو انتظر إجابة تستند للعقل والمنطق، فإنه لن يتحرك من مكانه حتى يموت، بينما لو خاطر وقدم إحساسه وحدسه، فالمرجع أنه سيعيش، والمعنى ان بعض الاختيارات في طبيعتها ليست عقلانية، ولا ينفع العقل معها اصلاً، وأصادق على ما سبق ولكن بحدود، وكل هذا قد تنسفه دراسة نشرت في موقع سيكولوجي توداي، بداية العام الجاري 2025، وتوصلت إلى أن الذكاء الاصطناعي المحايد في احاسيسه قادر على التعاطف إلكترونياً مع الأشخاص، وإعطائهم جرعة تعاطفية دافئة، تعادل ضعفي التعاطف الإنساني، وانه ساهم في تراجع مشاعرهم السلبية بنسبة 60% خلال ثلاثة أيام.