أصدرت دارة الملك عبدالعزيز مؤخرًا العدد الرابع من مجلتها العلمية المحكمة "الدارة" للسنة الخمسين (أكتوبر 2024م)، الذي جاء حافلاً بموضوعات علمية ثرية تُعنى بتاريخ المملكة العربية السعودية والجزيرة العربية، وتُلقي الضوء على جوانب حضارية ومعرفية وإنسانية متعددة، مستندة إلى أحدث المنهجيات العلمية في البحث والتحقيق والتوثيق. وافتتح العدد ببحث للباحثة جوزى بنت محمد السبيعي بعنوان "تطور وسائل النقل في عهد الملك عبدالعزيز: السيارة أنموذجًا"، يُسلّط الضوء على التغيرات الاجتماعية والإدارية التي صاحبت دخول السيارة إلى المملكة العربية السعودية، وجهود الملك عبدالعزيز آل سعود -طيب الله ثراه- في تنظيم قطاع النقل، وإرساء منظومات مرورية وخدمية تُواكب التحول الكبير الذي أحدثته وسيلة النقل الجديدة، وتناول انعكاسات هذا التغيير على الحياة اليومية، والتنقلات، والتجارة، وخدمة الحجاج والمعتمرين. وفي مجال الجغرافيا التاريخية والموارد الطبيعية، قدّم كل من الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز العبدالجبار والدكتورة فاطمة بنت سعيد المحمادي بحثًا مشتركًا بعنوان "المعادن الثمينة في الجزيرة العربية في ضوء المصادر الكلاسيكية"، ناقش البحث الثروات المعدنية التي كانت تزخر بها الجزيرة العربية منذ القدم، معتمدًا على المصادر الكلاسيكية الإغريقية واللاتينية، وذلك في محاولة علمية لفهم الدور الاقتصادي للمعادن في تلك الحقبة، وتفنيد الفرضيات التي اختزلت الموارد العربية في التجارة بالبخور والعطور فقط. أما في حقل النقوش والفنون الصخرية، فقد وثّق الباحث الدكتور فايز أنور عبدالمطلب مسعود في بحثه "الكتابات الثمودية ورسوم الخيل بجبل فردة الشموس في حائل"، تلك الكتابات والنقوش التي زيَّنت واجهة صخرية في جبل فردة الشموس التابع لمنطقة حائل في الجزء الشمالي الأوسط من المملكة العربية السعودية، ويقع شمال غرب حائل بنحو 184 كيلو مترًا، ونحت الدراسة إلى أن تلك الكتابات والرسوم تشير إلى بدايات ظهور الخيل في الجزيرة العربية، وتدل على أنّ الثموديين استخدموا الخيل وسائط للنقل والترحال والقتال، إذ رُسمت الخيول مُسرجة وغير مسرجة، ورُسمت يمتطيها فارس ليحارب أو يقاوم حيوانًا متوحشًا، ويُرجع البحث زمن تلك النقوش إلى الحقبة الثمودية المبكرة التي عُرفت بالتيمائية النجدية وبداية ظهورها تقريبًا من القرن الثامن قبل الميلاد. وفي ختام العدد، جاء بحث للدكتور مروان بن غازي شعيب بعنوان "الملك نبونيد من خلال النقوش والمصادر الأخمينية والآرامية"، متناولًا سيرة الملك نبونيد؛ سادس ملوك الإمبراطورية البابلية الذي اعتلى عرشها بين عامي ( 556-539 ق. م)، من خلال نقوشه الملكية المكتشفة داخل الجزيرة العربية ضمن حدود المملكة العربية السعودية أو تلك النقوش التي اكتُشفت خارجها، وتسعى الدراسة إلى تقديم صورة متكاملة عن حياة الملك نبونيد من المصادر الأصلية التي كُتبت في زمانه، إضافةً إلى تسليط الضوء على نقوش حرّان وسلع وتيماء والكتابات الأخمينية والآرامية، وتناقش الدراسة المعلومات الواردة في تلك المصادر مع بيان ما حملته من تشويه متعمَّد لسيرة هذا الملك التي ظلّت مشوَّهة سنواتٍ طويلةً بعد وفاته. 1