تؤثر التوترات التجارية العالمية المتصاعدة سلبًا على ظروف الائتمان العالمية وتهدد البيئة التي كانت حتى وقت قريب مواتية لمعظم المقترضين، وفي حال طبقت الإدارة الأميركية الرسوم الجمركية المعلقة بالنسب التي أعلن عنها في البداية، فإن التداعيات الاقتصادية ستكون واسعة وعميقة. وعلى أية حال، مدة التعليق المعلنة للرسوم الجمركية على جميع البلدان باستثناء الصين هي 90 يومًا، ومن المرجح أن تؤدي حالة عدم اليقين السائدة إلى تراجع ثقة الشركات والمستهلكين أكثر وتزايد المخاوف بشأن الاستثمار المؤسسي والتوظيف والإنفاق الاستهلاكي والنشاط الاقتصادي عمومًا. وفي هذا السياق، قالت إس آند بي العالمية: اختبرنا قنوات نقل المخاطر الائتمانية المحتملة للبنوك في دول الخليج. بناءً على سيناريوهات الضغط الافتراضية التي وضعناها، ويبدو أن البنوك قادرة على التعامل مع التداعيات المحتملة بفضل امتلاكها لمستويات جيدة من السيولة والربحية ورأس المال. وتعد تقلبات السوق وعزوف المستثمرين عن المخاطرة من التهديدات الأكثر إلحاحًا ويبدو أن البنوك الخليجية في وضع جيد لمواجهة هذه التهديدات. وتمثل المحافظ الاستثمارية لدى البنوك الخليجية عادةً ما بين 20 % - 25 % من إجمالي أصولها. وتميل أدوات الدخل الثابت عالية الجودة إلى الهيمنة، مع مساهمة محدودة من الاستثمارات الأكثر خطورة. ولذلك، فإننا نتوقع أن يظل تأثير تقلبات سوق رأس المال على البنوك قابلًا للإدارة، بالإضافة إلى ذلك، من غير المرجح تحقق الخسائر ما لم تحتاج البنوك إلى تسييل بعض الاستثمارات للتعامل مع هروب رأس المال، الأمر الذي لا نتوقع حدوثه. وبالنسبة لبعض البنوك التي تنشط في قطاع الخدمات الاستشارية لأسواق الدين أو رأس المال، فإن التقلبات الحالية قد تؤدي إلى انخفاض الإيرادات. مع ذلك، تساهم هذه الأنشطة - في المتوسط – بنسبة متواضعة فقط في إيرادات البنوك. وتعتمد بعض البنوك الخليجية بدرجة أكبر على أسواق رأس المال أو استثمارات الأسهم الخاصة، وبالتالي قد تكون أكثر عرضة للمخاطر. ويُعد الإقراض بالهامش مصدرًا آخر للمخاطر مع انخفاض التقييمات. مع ذلك، ندرك أن مساهمة هذه القروض في إجمالي دفاتر الإقراض لدى البنوك محدودة وأن تغطيتها لهذه القروض بالضمانات تميل إلى أن تكون متحفظة. في الوضع القائم، نتوقع أن يُخفض مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس فقط هذا العام وأن تحذو البنوك المركزية الخليجية حذوه. وهذا سيدعم ربحية البنوك الخليجية. مع ذلك، في حال انخفضت أسعار الفائدة بحدة أكبر، فإن انخفاض الهوامش واحتمال تباطؤ نمو الإقراض قد يؤدي إلى إضعاف ربحية البنوك. التعامل مع الهروب الافتراضي ونظرًا لتقلبات السوق الحالية، فمن المرجح أن تشهد البنوك الخليجية انخفاضًا في تدفقات رأس المال، وبعضها قد يشهد حتى هروبًا للتمويلات. ولتحديد حجم المخاطر، وضعنا سيناريوهات ضغط افتراضية تفترض هروبًا كبيرًا للتمويل الخارجي، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر، هروب 50 % من الودائع بين البنوك لغير المقيمين و30 % من ودائع غير المقيمين. لقد افترضنا أيضًا تراجعًا للأصول الخارجية، ووفقًا لحساباتنا، يبدو أن معظم الأنظمة المصرفية الخليجية قادرة على التعامل مع هروب الأموال الافتراضي، وتعتبر البنوك القطرية أكثر عرضة للخطر من الأنظمة الأخرى في المنطقة بسبب صافي مركز ديونها الخارجي الكبير، ولكن سجل الحكومة القطرية القوي في دعم البنوك وقدرتها على مساعدتها خلال الأزمات يخفف من المخاطر. وفي المملكة العربية السعودية، في حين أن الوضع الفعلي للبنوك يبدو مريحًا، فإن عدم تمكنها من الاستمرار في اللجوء إلى أسواق رأس المال قد يؤدي إلى انخفاض قدرتها على مواصلة تمويل مشاريع رؤية المملكة 2030. وتتمتع البنوك الإماراتية بأقوى صافي مركز أصول خارجية في المنطقة، وبالتالي تتمتع بأعلى قدر من المرونة في مواجهة هروب رأس المال في سيناريوهاتنا الافتراضية. وقد أدى تصاعد التوترات التجارية إلى انخفاض كبير في أسعار النف، حيث عدّلنا افتراضاتنا لسعر النفط إلى 65 دولارًا أميركيًا للبرميل لبقية عام 2025، ونعتقد أنه هذا سيؤثر على الأرجح على الإنفاق الحكومي والنمو الاقتصادي في المنطقة. وفي حال انخفاض أسعار النفط أكثر، فقد يعني هذا انخفاض النمو الاقتصادي في كل من القطاعين النفطي وغير النفطي، وزيادة الضغوط على مؤشرات جودة الأصول لدى البنوك. وأظهرت البنوك الخليجية مؤشرات قوية لجودة الأصول قبل بدء التوترات، حيث بلغ متوسط نسبة القروض المتعثرة 2.9 % لأكبر 45 بنكًا في المنطقة بنهاية عام 2024 وكانت البنوك قد احتفظت أيضًا بمخصصات تزيد على 150 % من حجم من قروضها المتعثرة في نفس التاريخ، وهو ما يوفر لها بعض الحماية لامتصاص الصدمات الإضافية. بالإضافة إلى ذلك، تظل ربحية البنوك الخليجية جيدة نسبيًا، مع عائد على الأصول بنسبة 1.7 % بنهاية عام 2024. وتستمر البنوك في إظهار رسملة قوية، حيث بلغ متوسط نسبة رأس المال من الشريحة الأولى 17.2 % في نفس التاريخ. ولتقييم قدرة البنوك على الصمود، اختبرنا سيناريوهين افتراضيين للضغط ويفترض السيناريو الأول زيادة محتملة في القروض المتعثرة بنسبة 30 % عن الرقم المسجل في نهاية عام 2024، ويحدد نسبة القروض المتعثرة عند 5 % على الأقل، أيهما أعلى. ويفترض السيناريو الثاني زيادة قدرها 50 % ويحدد نسبة القروض المتعثرة عند 7 % على الأقل. ووفقًا لحساباتنا، فمن المرجح أن تسجل 16 بنكًا من أكبر 45 بنك في المنطقة خسائر تراكمية قدرها 5.3 مليار دولار أميركي في السيناريو الأول. وترتفع الخسائر إلى 30.3 مليار دولار أميركي في السيناريو الثاني، وهو ما يؤثر على 26 بنكًا من أكبر 45 بنكاً. وفي كلا السيناريوهين، فإن التأثير التراكمي أقل من 60 مليار دولار أميركي في صافي الدخل الذي حققه أكبر 45 بنكًا في دول الخليج في عام 2024. وهذا يعني أنه حتى في أسوأ السيناريوهات لدينا، ما نزال نتوقع أن تؤثر الصدمة على ربحية البنوك وليس على قدرتها على الوفاء بالتزاماتها. وتعتبر ردة فعل الجهات التنظيمية مهمة أيضًا في تقييم كيفية تطور الوضع. على سبيل المثال، أثناء جائحة كوفيد - 19، قدمت الهيئات التنظيمية تسهيلات ساعدت البنوك على التعامل مع حالة عدم اليقين، ونتوقع أن يتخذوا إجراءات مماثلة إذا تجاوز تأثير التوترات التجارية العالمية على اقتصادات دول الخليج توقعاتنا الحالية.