ورد عن بلومبرج ووكالة فيتش خبر مفاده أن البنوك السعودية تتجه إلى توريق قروضها المتعثرة من أجل توفير سيولة لمواجهة الطلب المتزايد على التمويل، في تقريرنا هذا نناقش الخبر ومدى صحته وهل البنوك السعودية فعلا تحتاج إلى توريق قروضها المتعثرة؟ البنك المركزي السعودي تطرق إلى توريق القروض المتعثرة في كتيب القواعد قسم المتطلبات الاحترازية والرقابية بند متطلبات الحد الأدنى لرأس المال حيث نصت المادة 18 على التالي (يجب على البنوك تطبيق إطار التوريق من أجل تحديد متطلبات رأس المال التنظيمي) وهذه التعليمات تندرج تحت معايير بازل 3 لمعدلات كفاية رأس المال، البنوك السعودية تتمتع بمعدلات لكفاية رأس المال تفوق بكثير معايير بازل 3 إن لم تكن ضمن أعلى البنوك عالمياً في تجاوز المعيار الذي سجل في نهاية عام 2024 نسبة 18 % وتاريخيا لم يسبق للبنوك السعودية توريق الديون المتعثرة لمواجهة نقص السيولة وحتى لو سلمنا بصحة الخبر فإن القروض المتعثرة بنهاية عام 2024 لم تتجاوز قيمتها 30 مليار ريال، مع العلم بأن البنوك السعودية تستهدف رفع نمو الإقراض بنسبة 14 % بقيمة تقارب 400 مليار ريال ولو تم توريق القروض بالكامل فإن مساهمتها في توفير سيولة لن تتجاوز 7.5 % من احتياج البنوك، أما من يرغب في شراء القروض المتعثرة فإنه لم يُقدم على هذه الخطوة إلا بحصوله على خصم مجد لتحمل مخاطر الديون والبنوك لن تعطي هذا الخصم لقروض احتمالية تحصيلها تفوق 90 %، أما إذا كان القصد من الخبر هو توريق الديون المشطوبة فهذا ممكن حيث تتجاوز الديون المشطوبة في البنوك السعودية أكثر من 45 مليار ريال حيث تنص تعليمات البنك المركزي السعودي على شطب أي قروض متعثرة مضى عليها أكثر من 360 مليار ريال، ولكن لا أعتقد أن مستثمر سوف يجازف في شراء ديون معدومة لأن احتمالية تحصيلها قد تستغرق سنوات طويلة وبعض القروض لا يمكن تحصيلها، ربما يكون المقصود بالتوريق هو توريق الديون القائمة وخصوصا الرهون العقارية حيث أن البنوك لديها استثمارات بحوالي 700 مليار ريال ولمدد تصل الى 30 سنة وبالفائدة الثابتة وضمانات الديون العقارية قوية منها تحويل الراتب ورهن العقار الممول ولذلك فإن نسب التعثر عن السداد منخفضة وهذا النوع من الاستثمار قد يكون جيدا ومجديا مادياً للصناديق الاستثمارية أو التأمينات الاجتماعية وسبق أن قامت الشركة السعودية لإعادة التمويل العقاري بشراء محافظ التمويلات العقارية من البنوك المحلية، وباستطاعتها شراء المزيد من هذه التمويلات، البنوك السعودية لاشك أنها تعاني من شح السيولة رغم نفي البنك المركزي السعودي يدعم هذا النفي مؤشر نسبة القروض إلى الودائع حسب معايير ساما والتي تحتسب إصدارات البنوك من السندات والصكوك والديون الأخرى على أنها ودائع وتشير الإحصائية الشهرية الصادرة عن المركزي السعودي أن نسبة القروض إلى الودائع في حدود 82 % علماً بأن ساما تسمح للبنوك بالاستمرار بالتمويل حتى 90 % ولكن إذا أخذنا نسبة القروض إلى الودائع بدون معيار ساما نجد أن القروض إلى الودائع وصلت إلى قرابة 100 % ومما يؤكد أن البنوك تعاني من شح السيولة هو إصدار جميع البنوك لأدوات دين من سندات وصكوك وقروض مباشرة منها أدوات دين مقومة بالدولار بقيمة 8.3 مليارات دولار، مما يعكس تزايد الحاجة إلى السيولة، ومع استمرار تقلب أسعار النفط، قد تضطر المصارف إلى مزيد من الاقتراض، ولأول مرة تواجه البنوك السعودية عجزاً بصافي الأصول الأجنبية والتي بدأت من منتصف العام الماضي ووصلت إلى ذروتها في نهاية شهر فبراير الماضي حيث ارتفع العجز الى أكثر من 52 مليار ريال، يُعرَّف صافي الأصول الأجنبية بأنه الفرق بين إجمالي الأصول الأجنبية التي تحتفظ بها البنوك العاملة بالسعودية والالتزامات المترتبة عليها تجاه الخارج، وعادةً ما يُنظر إليه كمؤشر رئيسي على قدرة القطاع المصرفي على مواجهة التقلبات المالية وإدارة التزاماته الخارجية، وعندما تكون الأصول الأجنبية أقل من الالتزامات الأجنبية فهذا قد يحد من قدرة البنوك على الاقتراض الخارجي وبالتالي المزيد من الضغط على السيولة المحلية، وفي هذه الحالة لابد من دعم السيولة من خلال البنك المركزي السعودي أو التوقف عن إصدارات أدوات الدين الحكومية المحلية واستبدالها بإصدارات أدوات دين خارجية.