الاستثمار في الذكاء الاصطناعي والروبوتات والتقنيات الناشئة تسير المملكة العربية السعودية بخطى واثقة نحو التحول والتجديد الشامل، مدفوعة برؤية طموحة هي رؤية المملكة 2030. ففي السنوات الماضية، ركزت المملكة على بناء الأسس والاستعداد لمستقبل مختلف عن الماضي، وما نراه اليوم هو دخول فعلي إلى مرحلة جديدة أكثر جرأة وإبداعًا، وهي مرحلة صناعة المستقبل. أولاً: من الاستعداد إلى الانطلاق خلال المرحلة الأولى، فقد ركزت المملكة على تحديث بنيتها التحتية، وتمكين القطاعات الحيوية مثل التعليم، والصحة، والتقنية، وتنويع مصادر الدخل بعيدًا عن النفط. وتميزت هذه المرحلة بالتخطيط الاستراتيجي، ووضع السياسات، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي. أما الآن، فقد بدأت المملكة بتنفيذ مشاريع كبرى تهدف إلى إعادة تشكيل واقعها ومستقبلها، مثل: مشروع نيوم الذي يعد مشروعاً لمدينة ذكية تعتمد على الابتكار والتقنية، وذا لاين: المدينة التي ستكون بدون انبعاثات كربونية، وتعكس مفهوماً جديداً للحياة الحضرية، ومشروع الدرعية الجبار الذي سيتمكن من إبراز العمق التاريخي والثقافي للمملكة، والقدية: كعاصمة للترفيه والرياضة والفنون. وثانيًا: ركائز صناعة المستقبل، والاعتماد على الاقتصاد المعرفي والتقني من خلال دعم الابتكار والبحث العلمي. والاستثمار في الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والتقنيات الناشئة. وكذلك إنشاء مراكز متخصصة مثل الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) «استعداد للمستقبل» وبشكل أعمق فإن مفهوم «من الاستعداد إلى الانطلاق» كما ينطبق على واقع المملكة يحتاج إلى قراءة متعمّقة فما تقوم به المملكة في الاستعداد للمستقبل هو مرحلة تتركّز على بناء الأسس بالتخطيط، لبناء السياسات، ودراسة الاتجاهات العالمية، والتأهب للتحولات القادمة. والانطلاق نحو صناعة المستقبل مرحلة تعتمد على الجرأة في اتخاذ القرارات، وتنفيذ المشاريع، وخلق واقع جديد من خلال الأدوات التي تم إعدادها مسبقًا. وفي هذا السياق نستطيع أن نرصد هذا الانتقال من خلال ثلاثة أبعاد رئيسية: نبدأها أولاً من بناء القدرات إلى إطلاق المبادرات الكبرى بالاستعداد بتطوير التعليم ليواكب متطلبات المستقبل، ورفع كفاءة المؤسسات الحكومية، وتحسين البيئة التنظيمية والتشريعية. وإطلاق مشروعات عملاقة مثل: نيوم، ذا لاين، السودة، رؤى المدينة، ليست مجرد بنى تحتية بل رؤى مستقبلية تجسد مفاهيم الابتكار والاستدامة. وتبني نماذج أعمال جديدة تعتمد على الابتكار والتقنية بدلاً من النماذج التقليدية. والتحوّل من التركيز على تطوير الإمكانات إلى استخدامها لصنع واقع جديد، يعكس ثقة الدولة في جاهزية بنيتها ومجتمعها لخوض التحدي، وثانياً: من رد الفعل إلى الفعل الاستباقي فتحليل المتغيرات العالمية ومراقبة الاتجاهات مثل الثورة الصناعية الرابعة، والتحوط من المخاطر الاقتصادية خلق الانطلاق لتصنيع المبادرات العالمية مثل: مبادرة السعودية الخضراء التي تضع المملكة في موقع القيادة البيئية. وكذلك الاستثمار في صناعات المستقبل مثل الذكاء الاصطناعي، الفضاء، والأمن السيبراني، والانتقال من الاستجابة للتحديات إلى صناعة التغيير وقيادة التحولات، سواء داخليًا أو دوليًا. وثالثاً: من التمكين الداخلي إلى التأثير الخارجي وكان الاستعداد بإعادة هيكلة القطاعات لتكون أكثر كفاءة. ودعم رأس المال البشري عبر التعليم والتدريب. وكان الانطلاق بتصدير الرؤية السعودية عالميًا، من خلال مشاركات فاعلة في G20، ومشاريع ضخمة تجذب استثمارات دولية. وبناء تحالفات وشراكات استراتيجية في مجالات الطاقة والتقنية والثقافة. والتحوّل من التركيز على التطور المحلي إلى أن تصبح المملكة نموذجًا عالميًا يُحتذى به في التخطيط والتنفيذ والرؤية المستقبلية. «إيمان بالفرص» وبهذا فالاستعداد هو تجهيز الأدوات والإيمان بالفرصة، والانطلاق بالدخول للساحة وبداية صناعة التاريخ، والمملكة اليوم، في ظل قيادتها الطموحة، لم تعد تنتظر الغد، بل تصنعه اليوم وبكل ثقة، والأمثلة الواقعية والمؤشرات الحقيقية توضّح كيف انتقلت المملكة من مرحلة الاستعداد إلى مرحلة الانطلاق وصناعة المستقبل، مع التركيز على العمق ومثال ذلك: التحول الرقمي: من التحضير إلى الريادة، وبدء مرحلة الاستعداد بتأسيس هيئة الحكومة الرقمية وتم إطلاق برنامج يسّر لتحسين كفاءة الخدمات الحكومية، وتم تطوير البنية التحتية للاتصالات والإنترنت على مستوى المملكة. وبمرحلة الانطلاق أصبحت المملكة من أوائل الدول عالميًا في إطلاق خدمات الحكومة الإلكترونية الشاملة. وأصبحت منصة أبشر نموذجًا عالميًا في رقمنة الخدمات الحكومية، بأكثر من 300 خدمة إلكترونية. ومنصة توكلنا خلال جائحة كورونا كانت برهانًا عمليًا على جاهزية التقنية والبنية الرقمية. والمملكة لم تكتفِ بالجاهزية، بل قادت التحول الرقمي عربياً وعالمياً، وتحولت إلى مرجع رقمي في القطاع الحكومي. ونجحت المملكة في تنويع الاقتصاد الذي انطلق من التخطيط إلى التنفيذ وبدأت رحلة الاستعداد باعتماد برامج تنويع اقتصادي مثل: برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية (ندلب). وإطلاق مبادرات لتقليل الاعتماد على النفط كمصدر دخل رئيس. وفي مرحلة الانطلاق تم ارتفاع مساهمة القطاع غير النفطي في الناتج المحلي إلى أكثر من 50 % في بعض الفصول. وارتفاع إيرادات الاستثمارات غير النفطية لصندوق الاستثمارات العامة (PIF) إلى مليارات الدولارات. كما تم إطلاق شركات عملاقة مثل: سير (أول علامة سيارات سعودية)، واستثمارات ضخمة في التقنية والطاقة المتجددة، وتم الانتقال من مجرد تنويع على الورق إلى بناء اقتصاد إنتاجي ومستقل يقود النمو بثقة. «مشروعات كبرى» وانطلقت المملكة من الرؤية إلى التشييد والتنفيذ، ففي مرحلة الاستعداد، كانت المملكة تُحضّر لهذا التحول الكبير في المشاريع الضخمة. ومرحلة الاستعداد في هذا السياق هي المرحلة التي تبدأ فيها المملكة ببلورة أفكار طموحة وتحويلها إلى رؤى استراتيجية واضحة المعالم، لكنها لم تكن قد دخلت بعد في التنفيذ الفعلي على الأرض. ويمكن وصفها بأنها مرحلة التصور والتخطيط، وبناء الإطار المؤسسي والتمويلي لهذه المشاريع. ومظاهر مرحلة الاستعداد للمشاريع الكبرى: صياغة رؤية واضحة، مثل رؤية 2030 التي أُطلقت عام 2016، والتي تضمنت مشاريع نوعية ستُغيّر وجه المملكة. وتم الإعلان عن أهداف استراتيجية لكل مشروع، مثل خلق فرص عمل، وتنويع الاقتصاد، وجذب الاستثمارات. وتم العمل على دراسات الجدوى والتخطيط الحضري والاقتصادي، والعمل على إعداد دراسات متكاملة لكل مشروع من حيث: الأثر البيئي، والجدوى الاقتصادية، ونماذج الأعمال المقترحة. ومن الأمثلة: مشروع نيوم فقد خضع لسنوات من الدراسات والتخطيط المكثف. كما تم العمل على تأسيس الكيانات المؤسسية، وإنشاء هيئات ومؤسسات خاصة لكل مشروع مثل: شركة نيوم، شركة البحر الأحمر، هيئة تطوير بوابة الدرعية، هيئة تطوير القدية. كما تم العمل على تأمين التمويل والاستثمارات، ودخول صندوق الاستثمارات العامة كمحرك رئيسي في تمويل هذه المشاريع،ووضع استراتيجيات جذب للاستثمارات الأجنبية والمحلية. وبناء البيئة التشريعية والتنظيمية، وإصدار الأنظمة التي تُمكّن هذه المشاريع من الانطلاق، مثل: تسهيل التملك للأجانب، وتنظيمات خاصة بالمناطق الاقتصادية (كما في نيوم)، وتحديث الأنظمة المتعلقة بالبناء والبلديات. ورغم أن العمل لم يكن ظاهراً على الأرض (لم تكن هناك رافعات أو بناء فعلي)، إلا أن المملكة كانت تقوم بأهم وأصعب جزء من العمل وهو تحويل الأفكار إلى خطط قابلة للتنفيذ، وتجهيز الأرضية النظامية والمؤسسية والاقتصادية للانطلاق. وهذه المرحلة تمثل عقلية الدولة الجديدة، حيث لا يتم إطلاق مشروع كبير إلا بعد أن يتم وضع كل أبعاده تحت المجهر، وتحديد أدوات نجاحه بدقة. «أهداف استراتيجية» وبعد وضع التصورات وتحديد الأهداف الاستراتيجية لمشروعات مثل نيوم، والقدية، والبحر الأحمر، بدأت مرحلة الانطلاق والتنفيذ الفعلي على الأرض، ففي نيوم تم إنشاء The Line، وافتتاح مركز بيانات وأوكساچون الصناعية، ودخلت القدية مراحل البناء، لتضم كبرى مشاريع الترفيه مثل Six Flags. ومشروع البحر الأحمر استقبل أول دفعة من الزوار والسياح، وافتُتحت أولى المنتجعات الفاخرة. والدلالة على ذلك فإن المملكة الآن لا تروّج لأفكار مستقبلية فقط، بل تنفذها حرفيًا على الأرض، وتعيد تعريف مفهوم التنمية العمرانية والاقتصادية، وأصبح التأثير العالمي من الاندماج إلى القيادة، وبعد مرحلة الاستعداد تم العمل على بناء العلاقات الدولية وتنشيط الدبلوماسية الاقتصادية. وفي مرحلة الانطلاق تم استضافة قمة مجموعة العشرين (G20) في 2020، وإطلاق مبادرة الشرق الأوسط الأخضر والسعودية الخضراء. وتمثيل سعودي قوي في مجالات الطاقة، المناخ، الاقتصاد الرقمي، والذكاء الاصطناعي. وبهذا تحوّلت المملكة من لاعب إقليمي إلى قوة عالمية ناعمة وصلبة، تشارك في قيادة ملفات المستقبل. وانطلق مفهوم التحول من الاستعداد إلى الانطلاق بتأسيس وبناء القدرات والبنية التحتية. والانطلاق بتنفيذ المشاريع الكبرى وصناعة واقع جديد. وتم الانتقال من انتظار المستقبل إلى صناعته، والعمل على التحول الرقمي والاستعداد لتطوير البنية الرقمية، وتأسيس هيئة الحكومة الرقمية. ويعد الانتقال من الاستعداد إلى الانطلاق قفزة استراتيجية. ولم تعد المملكة تنتظر التغيير بل تصنعه، وأسهم في ذلك رؤية 2030 التي تحولت إلى واقع ملموس يقود المنطقة والعالم.