أطلق الرئيس الأميركي دونالد ترمب، مع بَدْء ولايته الثانية في يناير 2025، تسونامي سياساته التجارية الحمائية التي عُرفت ب"حرب ترمب التجارية"، التي فرض فيها تعرفات جمركية مرتفعة على الواردات من أكثر من 180 دولة، وكان الهدف المعلن لهذه السياسات هو تقليص العجز التجاري الأميركي، وإعادة توطين الصناعات الاستراتيجية داخل الولاياتالمتحدة، وقد أثارت هذه السياسات اضطرابات اقتصادية واسعة تتبعها أسئلة جيوسياسية عميقة، وعدها البعض أداة تفاوضية، خاصة بعد قرار ترمب تعليق بعض التعرفات لمدة تسعين يومًا. ولكن التوترات تتصاعد وتسببت في توتر دبلوماسي بين واشنطن والعالم وحتى مع الحلفاء التقليديين في أوروبا واليابان وكندا وغيرها، وقد رد بعض الحلفاء بإجراءات مضادة، مثل الاتحاد الأوروبي الذي فرض رسومًا على منتجات من ولايات أميركية (جمهورية)، وتبعته كندا والمكسيك، وكان الوضع أشد توترا مع الصين بعد رفع الرسوم عليها إلى مستويات غير مسبوقة، وقد ردت بفرض رسوم بنسبة 34 % على الواردات الأميركية، واستهدفت قطاعات استراتيجية مثل الزراعة والطائرات، أما على المستوى الاستراتيجي فبدأت بكين تتجه نحو تعزيز استثماراتها في مبادرة "الحزام والطريق" عبر آسيا الوسطى وأفريقيا، وبحث الأسواق البديلة في اتفاقيات تجارية مع دول مثل الفلبين وتايلاند، كما سارعت إلى إعلان مبادرات تطوير تكنولوجيا محلية، خاصة في الرقائق الإلكترونية، وتقليص اعتمادها على الواردات الأميركية، وزيادة استيراد النفط من روسيا وإيران بعيدا عن مجال التأثير الأميركي، كما تنوي دعم تحالف "بريكس" في سعيها للمواجهة، وتقوية وتشكيل التحالفات العالمية الأخرى. على المستوى العالمي كانت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية قد توقعت نموًا عالميًا لعام 2025عند 3.3 % قبل هذه السياسات، ولكن التوقعات بعد فرض التعرفات انخفضت، وكانت الهزة الأعنف في الأسواق العالمية التي خسرت مبالغ طائلة، ومنها أسواق الأسهم الأميركية التي تكبدت خسائر تجاوزت خمسة تريليونات دولار خلال يومين في أبريل 2025، وعلى نفس المنوال تراجعت بورصات آسيا وأوروبا بنسب تقريبية تصل إلى 7 %، وتأثرت سلاسل التوريد العالمية، وارتفعت أسعار الشحن بشكل كبير بسبب نقص المواد الخام، كما تذبذبت أسعار النفط نتيجة التوترات التجارية، وأثارت هذه التطورات مخاوف من تضخم عالمي وتباطؤ كبير في النمو العالمي، بدءا بالاقتصاد الأميركي الضخم الذي توقع بنك "جيه.بي مورجان" احتمال إصابته بركود بنسبة 40 %. ومن أشد المتضررين كثير من الدول النامية المستهلكة والضعيفة اقتصاديًا حيث ستعاني -حال الاستمرار في تطبيق التعرفات- من ارتفاع أسعار السلع الأساسية، ما قد يُهدد بأزمات غذائية محتملة، إذ تعتمد هذه الدول على الواردات بشكل كبير، وستزيد هذه الأعباء الاقتصادية من الضغوط الاجتماعية والاقتصادية. وقد تُعرض هذه الآثار ملايين الأفراد لخطر الفقر المدقع، وتُثير تحديات حول قدرة هذه الدول على مواجهة التداعيات دون دعم دولي كافٍ. أما الشركات متعددة الجنسيات مثل "نايك" و"هيونداي" وغيرها، فتحولت، إلى دول مثل الهند وماليزيا، مما زاد الضغوط على الأسواق الناشئة، وزاد الأعباء اللوجستية، وأثر على الأسعار العالمية. وعلى الرغم من أن الصراع العسكري غير مرجح، إلا أن الانقسامات الاقتصادية تُهدد بتقويض النظام العالمي القائم، ويُشبّه بعض المراقبين الوضع المقبل ب"حرب باردة" اقتصادية وهناك من يتوقع ألا تكون حربا باردة. والخلاصة أن هذه السياسات وردود الأفعال حولها ستُنتج تحولًا جذريًا في هيكل الاقتصادي العالمي، وستُعيد صياغة العلاقات الدولية بطرق غير متوقعة، وهي في كل أحوالها تُثير تساؤلًا محوريًا: هل تجد الولاياتالمتحدةوالصين أرضية مشتركة للتعايش الاقتصادي؟ أم سيتجه العالم نحو مزيد من الاستقطاب والانقسام؟ ستكون الإجابة عن هذا السؤال حاسمة ومعها ستتحدد ملامح النظام العالمي في العقود القادمة. * قال ومضى: من شحذَ الهِمة، أدركَ القمة..