الأعجب في بعض الأتيكيت والبروتوكول السعودي، على مستوى الأشخاص العاديين، أن الشخص فيه يركز على غيره ولا يهتم بنفسه، بينما الأصل هو الاهتمام بالذات قبل الآخر، فالناس يهتمون بالمجالس الخارجية التي يستقبلون فيها الضيوف، وبأماكن ضيافتهم وطعامهم وبمرافقها، ولا يعطون الاهتمام نفسه لأماكن جلوس وطعام العائلة في الداخل.. لكل منطقة في المملكة آدابها وأتيكيتها الخاص، والذي يعتبر بمثابة عرف أخلاقي غير مكتوب بين سكانها، والاختلافات بينها بسيطة، ولكنها موجودة، وقواعد الأتيكيت والبروتوكول ضرورية نسبياً، لضبط الآداب الاجتماعية في المناسبات المختلفة، ويدخل فيها عادات الأكل والشرب والسلام والضيافة، وشخصياً لا أقبل الأكل باليد إلا مرغماً أو محرجاً، ولا أوافق على المقولة الشعبية التي تروج لفكرة أن: "الصقر ما ياكل إلا بمخلابه"، لأنها عبثية، ولا تحترم الآداب النبوية في التزام الشخص بالأكل مما يليه، ويوجد بروتوكول وأتيكيت يهتم بالتعامل مع كبار الشخصيات، داخل الإطار الرسمي للدولة وفيما بين الدول، وقد عرفته الدولة السعودية الحديثة لأول مرة باسم التشريفات، والكلمة أصلها تركي، واستقرت تسميته الحالية على المراسم، ذات الأصل الفارسي، وكلاهما يحمل نفس المعنى. فلورنس هارتلي، تعتقد في كتابها "الأتيكيت للسيدات"، الصادر في القرن التاسع عشر الميلادي، بأنه مجرد قناع لا يمثل الواقع، وأن الشخص يحاول من خلاله إخفاء عواطفه ودوافعه السيئة، ولا أتفق مع ما قالته على الإطلاق، ولكني أعرضه من باب العلم، وكتابات الفيلسوف الصيني كونفوشيوس، خلال القرنين الخامس والسادس قبل الميلاد، والذي حكمت أفكاره الصين لأكثر من ألفي عام، تناولت معلومات كثيرة تخص آداب التعامل مع الآخرين، أو ما عرف لاحقاً بالأتيكيت، لأن الكلمة لم تظهر إلا في القرن الثامن عشر الميلادي، أيام الملك الفرنسي لويس الرابع عشر، واستخدمت لأول مرة في قصر فرساي العتيد، وبالتالي فأصلها لاتيني، وهناك من يعتقد بأنها مأخوذة، في الأساس، من كلمة (ستيكوس) اليونانية القديمة. إلا أن بعض المؤرخين العرب يعتقدون بانتقال الأتيكيت إلى أوروبا عن طريق الأندلس، وأنه تم في أواخر القرن العاشر الميلادي، وتحديداً في زمن الخليفة الأندلسي هشام الثالث، ويستدلون على ذلك، بما ذكره المؤرخ الإنجليزي جون دونبورد، في كتابه "العرب عنصر السيادة في القرون الوسطى"، فقد أورد بأن الملك الإنجليزي جورج الثاني، أرسل كتاباً لخليفة الأندلس، طلب فيه تعليم فنون الأتيكيت لأميرات إنجليزيات، وقد وافق الثاني، وتم تدريبهن على نفقة الخلافة الأندلسية، وبالتالي فالعرب سبقوا الفرنسيين في الأتيكيت، وبفارق 800 عام، ويعتبر زرياب أول من أكل بالشوكة والسكين، ويرجح بأنه صاحب الأسبقية في وضع أصول الأتيكيت، وآداب الطعام وقواعد الوجبات المعروفة، التي تبدأ بالشوربة ومن ثم الطبق الرئيس فالحلويات، وهناك من يرجعها إلى مؤسس الدولة الأموية، معاوية بن أبي سفيان، فقد عرف بالخليفة الذواق، والتزم بقواعد صارمة فيما يخص آداب الطعام، ومن أشهر كتب الأتيكيت والبروتوكول الإسلامية، كتاب "الآداب السلطانية" لابن المقفع. توحيد اللغة العالمية للأتيكيت والبروتوكول، بدأ في فيينا بالنمسا عام 1815، وذلك من خلال مؤتمرات عقدت خصيصاً لهذا الغرض، واستمرت أعوام 1818 و1961 و1963، وما اتفقت عليه تحول إلى مرجعية في آداب ممارسة العمل الدبلوماسي، وبما يكفل استقرار العلاقات بين الدول، وتوجد استثناءات لكل دولة بحسب ثقافتها أو دينها، وفي بريطانيا، يتم في كل ثلاثة أعوام، عقد اجتماعات لدراسة الاستفسارات الخاصة بالآداب العامة والأتيكيت، وإصدار أنماط السلوك التي تناسبها، وفي الحياة اليومية، يحاصرنا الأتيكيت في كل مكان، فقد انتقل من اللياقة في التعامل والمظهر، إلى فرض قوانين اجتماعية دخلت إلى المسجد والشارع، وأيام العزاء والأعياد وغيرها، وتجاوزت الأعراف الدولية إلى عامة الناس، فلم تعد المسألة محصورة في الاجتماعات الرسمية، وفي أماكن العمل، الواقعي أو الافتراضي، الذي جاء مع دخول الإنترنت ومنصات السوشال ميديا، وخصوصاً في المجموعات المهنية على الواتساب. البروتوكولات حساسة، وبسببها كانت ستحدث أزمة ديبلوماسية بين إيرانوفرنسا عام 2015، عندما قام قصر الإليزيه بإلغاء حفل الغداء، الذي أراد الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إقامته، احتفاءً بالرئيس الإيراني حسن روحاني، لأن الوفد الإيراني أراد فرض مكونات المائدة على التشريفات الفرنسية، إلا أن الفرنسيين رأوا في التصرف استغلالاً لمفهوم (الحلال)، واعتداء على إرث فرنسا الثقافي، واقترحوا استبدال الغداء بالإفطار، ولكن إيران رفضته لأنه رخيص، ويقلل من هيبة الدولة، فيما قبلت إيطاليا بالشرط الإيراني حينما زارها روحاني عام 2016، والزيادة أن ترتيبات مائدة الطعام، المعمول بها في معظم مطاعم العالم حالياً، تعتمد المدرسة الروسية لبساطتها، وتبتعد عن المدارس الأوروبية لأنها معقدة وفيها تكلف كبير. الأعجب في بعض الأتيكيت والبروتوكول السعودي، على مستوى الأشخاص العاديين، أن الشخص فيه يركز على غيره ولا يهتم بنفسه، بينما الأصل هو الاهتمام بالذات قبل الآخر، فالناس يهتمون بالمجالس الخارجية التي يستقبلون فيها الضيوف، وبأماكن ضيافتهم وطعامهم وبمرافقها، ولا يعطون الاهتمام نفسه لأماكن جلوس وطعام العائلة في الداخل، وربما كان الفارق بينهما كبير، والسبب أن ما وراء الأبواب المغلقة لا يراه غير أهل البيت، وبالتالي لا مجال للمباهاة والتفاخر و(الهياط) فيه، وما سبق أمر مؤسف فعلاً، وينطوي على نفاق اجتماعي واضح.