لم تفلح محاولات وكالة الطاقة الدولية التأثير على قرارات تحالف أوبك+ بعد اتفاق عدد من دول التحالف تنفيذ تخفيضات إنتاجية نفطية طوعية بلغ إجماليها 1.66 مليون برميل يوميًا، بدءًا من مايو حتى نهاية 2023، بهدف دعم استقرار أسواق النفط، ويُضاف هذا الخفض الطوعي إلى تخفيض الإنتاج القائم من جانب التحالف بمقدار مليوني برميل يوميًا في المدّة من نوفمبر 2022 حتى نهاية ديسمبر 2023. هذه القرارات التي يتخذها كبار المنتجين والمدبرين لأمور سوق الطاقة العالمي بقيادة المملكة العربية السعودية والتي حفزها العالم، بعد انهيار أسواقه النفطية في إبريل 2020 على إثر انهيار تحالف منظمة أوبك وشركائها، لإعادة تنظيم وقيادة تحالف أوبك+، مما عجل من تهدئة الأسواق وإعادة التوازان في الإمداد والطلب وجلب الاستقرار للاقتصاد العالمي وفق ذلك القرار التاريخي بأكبر خفض إنتاجي عالمي مشترك قدره 10 ملايين برميل يومياً أسهمت على الفور من نقل أسعار براميل النفط من البيع بالسالب إلى المنطقة الآمنة لعوائد جميع الدول، إذ نجح تحالف أوبك+ في كافة قراراته التي تستهدف جلب أشكال من التوازن في العرض والطلب للسوق العالمي مما أدى لاستقرار النفط إلى اليوم. ووفق ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة في "منصة الطاقة" ومقرها الولاياتالمتحدة، والتي أكد محللها، أحمد شوقي تحذير وكالة الطاقة الدولية من مخاطر الخفض الطوعي لإنتاج النفط، الذي أقرّته السعودية و8 دول أخرى من تحالف أوبك+، في وقت تشتد فيه الضغوط التضخمية العالمية. وقالت الوكالة -التي تتخذ من باريس مقرًا لها- في بيان، إن تخفيضات أوبك+ الجديدة ستؤدي إلى تفاقم الضغوط في سوق النفط وترفع أسعار الخام، في وقت تضرّ فيه الضغوط التضخمية القوية بالمستهلكين، لا سيما في الاقتصادات الناشئة والنامية. وأكدّت وكالة الطاقة الدولية أن التخفيضات الجديدة في إنتاج النفط، التي أعلنتها دول أوبك+ جاءت في وقت تعاني فيه سوق النفط من عدم اليقين المتزايد والمخاوف بشأن آفاق الاقتصاد العالمي. وأشارت الوكالة إلى أنها تتوقع -إلى جانب عدّة مؤسسات أخرى ذات الصلة- أن أسواق النفط العالمية قد تشهد عجزًا في الإمدادات خلال النصف الثاني من عام 2023.واتفقت تصريحات صادرة عن البيت الأبيض مع تعليقات وكالة الطاقة الدولية، بأن تخفيضات أوبك+ غير منطقية في الوقت الحالي، الذي تعاني فيه السوق من عدم اليقين، مشيرةً إلى تركيز واشنطن على أسعار المستهلكين الأميركيين، وليس البراميل. وأكدت الإدارة الأميركية أنها مستعدة للسحب من الاحتياطي الإستراتيجي حال الحاجة إلى ذلك، موضحة في الوقت نفسه أن السعودية تظل شريكًا إستراتيجيًا. وكانت وكالة الطاقة الدولية قد أوضحت في تقريرها الشهري الأخير أن السوق تواجه حالة من ارتفاع المعروض النفطي أكثر من الطلب في النصف الأول من 2023، وسط ارتفاع مخزونات النفط إلى مستويات لم تشهدها منذ 18 شهرًا، لكنها توقعت أن ينعكس هذا الوضع في النصف الثاني. ويتماشى ذلك مع توقعات الوكالة الدولية بتسارع نمو الطلب على النفط بوتيرة حادة، ليرتفع من 710 آلاف برميل يوميًا خلال الربع الأول من 2023 إلى 2.6 مليون برميل يوميًا في الربع الرابع من العام. وفي إجراء احترازي لدعم استقرار السوق، أعلنت السعودية في 2 أبريل 2023، خفضًا طوعيًا بمقدار 500 ألف برميل يوميًا، لتصل حصتها في إنتاج النفط لدول أوبك+ إلى 10.478 ملايين برميل يوميًا. كما أعلنت روسيا استمرار الخفض الطوعي للإنتاج بمقدار 500 ألف برميل يوميًا حتى نهاية عام 2023، لتهبط حصتها إلى 9.978 ملايين برميل يوميًا. وفضلًا عن ذلك، أقرّ العراق خفضًا قدره 211 ألف برميل يوميًا، والإمارات 144 ألف برميل يوميًا، والكويت 128 ألف برميل يوميًا، وقازاخستان 78 ألف برميل يوميًا. وأعلنت الجزائر وسلطنة عمان والغابون -أيضًا- خفضًا طوعيًا لإنتاج النفط بمقدار 48 و40 و8 آلاف برميل يوميًا على التوالي. كانت وكالة الطاقة الدولية عاودت العبث بأمن الطاقة، فعلى الرغم من اتفاق العالم وبالأخص الولاياتالمتحدة وأوروبا على سرعة تنفيذ مشاريع النفط والغاز في المنبع والمصب لتوفير إمدادات عاجلة للسوق العالمي الذي يئن تحت وطأة أزمة أسعار طاقة وأزمة شح الإمداد، وبأمل أن تساهم في خفض أسعار الوقود، وتعويض حظر النفط الروسي، إلا أن الوكالة أرسلت إشارات مناقضة لتلك التوجهات في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس. وقال مدير وكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول في جلسات دافوس الأخيرة "ما يقلقني هو أن بعض الناس قد يستخدمون الغزو الروسي لأوكرانيا كذريعة لموجة جديدة واسعة النطاق من استثمارات الوقود الأحفوري وما يقلقني هو أنه سيغلق الباب إلى الأبد للوصول إلى أهدافنا المناخية وربما لن يكون استثمارا مربحا". والاعجب من تلميحات عدم الرغبة بمشاريع الوقود الأحفوري التي تكنها وكالة الطاقة الدولية، والتي تناقض التوجيهات الصارمة من الرئيس الأميركي جو بايدن للتعجل بالتنقيب والإنتاج، أضاف بيرول: "حتى لو فعلت الدول 50 ٪ مما تقوله فيما يتعلق بأهداف انبعاثات صافية صفرية، فإن استثمارات الوقود الأحفوري قد تكون عاطلة في المستقبل". وأشار بيرول إلى أن الاكتشافات النفطية الجديدة تتطلب سنوات حتى يتم تنفيذها، وقال إن العالم يجب أن يختار بين التحول إلى الطاقة النظيفة وتكاليف الطاقة على المدى القصير. وقال "أفهم أن الأولوية الحالية اليوم هي إصلاح مشكلة أمن الطاقة لكن لا ينبغي أن ننسى أن أحد أسباب ارتفاع الأسعار لدينا هو تقلب موجات الحر والبرد التي نتجت عن تغير المناخ".وقال بيرول إنه "لا ينبغي استخدام تكاليف الطاقة المرتفعة الناجمة جزئيًا عن الغزو الروسي لأوكرانيا لجذب موجة جديدة من استثمارات الوقود الأحفوري التي تهدد بخلق مخاطر تجارية ومناخية كبيرة في المستقبل. وقال إنه على الرغم من أن الاستجابة الفورية لفقدان النفط والغاز الروسي في الأسواق العالمية يجب أن تشمل جلب طاقة فائضة في حال وجودها، يجب موازنة أي إنفاق على المدى القريب مع الحاجة إلى نمو أعلى في الطاقة النظيفة والمتجددة. ولتأكيد مدى تخبط وتناقض اطروحات وكالة الطاقة، قامت شركة بلاتس، ستاندرد آند بورز جلوبال كوموديتي إنسايتس، بتقييم سعر خام برنت المؤرخ عند 113.815 دولارًا للبرميل في 20 مايو، مقارنة ب 100.49 دولار للبرميل في اليوم السابق لغزو روسيالأوكرانيا في 23 فبراير و79 دولارًا للبرميل في بداية العام. وهذا أكبر دليل على مدى تأثير الحرب على أسعار النفط والتي الهبت عقود الوقود، وليس موجة تغير المناخ. ولم يكتفِ مدير وكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول من أرسال الإشارات المتضاربة، بل حذر منتجو النفط الرئيسون في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وبعض البنوك الاستثمارية من مزيد من الارتفاع في أسعار النفط والغاز بسبب عدم التوافق المتزايد بين احتياجات الطاقة المستمرة وتراجع العديد من شركات الطاقة الغربية الكبرى للاستثمار في مشاريع النفط والغاز الجديدة. وتأتي تصريحات بيرول أيضًا بعد شهرين من إعلان وزيرة الطاقة الأميركية جينيفر جرانهولم أن حكومتها تحث قطاع النفط والغاز على زيادة الإنتاج فورًا استجابةً للأزمة الناجمة عن غزو أوكرانيا. وحثت جرانهولم منتجي الطاقة والممولين والمطورين على زيادة إمدادات النفط والغاز في الاستجابة على المدى القريب من تداعيات غزو أوكرانيا. وقالت نحتاج الآن إلى زيادة إنتاج النفط والغاز لتلبية الطلب الحالي، وسلطت جرانهولم الضوء على مبلغ 62 مليار دولار التاريخي المخصص لوزارة الطاقة بموجب قانون الاستثمار في البنية التحتية والوظائف وهو أكبر مبلغ يمنحه الكونغرس للوزارة منذ تأسيسه عام 1977، والذي سيتم استخدامه لتسهيل الشراكات بين القطاعين العام والخاص.