سلوكنا البشري يعتمد بشكل كبير على التفاعلات التي تشكلها المعاني والرموز المشتركة بين الفاعلين/ الأفراد. فعندما نضفي معاني مبالغًا فيها على المواقف؛ أشخاصاً وأحداثاً، تتشكل ما يمكن تسميته ب"جبال الأهمية". هذه الجبال ليست سوى انعكاس لميلنا إلى تضخيم الأمور وإعطائها قيمة غير واقعية والنتيجة! اضطرابات تمنعنا من إمكانية ضبط وتوجيه أفعالنا، وردود أفعالنا، مما يؤدي إلى تعقيد حياتنا واتخاذ قرارات قد نندم عليها. فكم مرة سمعتَ مراجعاً يقول: "لقد مست زوجتي كرامتي بفعلها!" فتكون ردة الفعل مبالغًا فيها وخارج سياقها؟ أو من تقول: "لقد سبب لي زوجي إحراجًا كبيرًا أمام أهله!" فتكون ردة فعلها سببًا في زيادة الإحراج! في مثل هذه الحالات، المشكلة ليست في الحدث نفسه -وإن كان لا يخلو من إشكال-، بل في طريقة التفكير التي تضخم الأمور وتفترض أسوأ السيناريوهات الممكنة. هذا النمط يُعرف بالتفكير الكارثي (Catastrophizing)، وهو أحد التشوهات المعرفية التي تجعلنا نبالغ في تقدير تأثير المواقف على حياتنا. هذه الجبال من الأهمية يبدأ تشكلها من خلال إضفاء معانٍ ورموز مبالغ فيها على المواقف فعلى سبيل المثال عندما يحدث خلاف بين الأزواج فتقول الزوجة: أنت ترفع صوتك دائمًا عندما تتحدث معي! فيفسر الزوج ذلك بشكل مبالغ فيه على أنه اتهام بعدم اللباقة والاحترام هذا التفكير يؤدي إلى استجابة جسدية ونفسية مبالغ فيها تُعرف؛ باستجابة الكر والفر (Fight or Flight) في تلك اللحظة، يضخ الجسم هرمونات التوتر، تتسارع دقات القلب، تضيق الأنفاس، وتتوتر العضلات فيتصرف باندفاع: فينطق بالطلاق، أو يسبّ ويشتم، أو يقود سيارته بتهور، أو حتى يعود إلى التدخين بعد سنوات من الإقلاع. هذه التصرفات غير الواعية هي نتائج مباشرة لتضخيم الأمور بشكل زائد وأكثر مما ينبغي بينما كل ما كانت تريده الزوجة محادثة تتسم بالهدوء. وحتى تتجنب تشكيل تلك الجبال وتضخيم الأمور فإليك أربع خطوات عملية تساعدك على تجاوزها: توقف عن خلق العوائق: تذكّر أن تضخيمك للمواقف يخلق عوائق تعرقل حياتك ولذلك اسأل نفسك دائماً: هل يستحق هذا الموقف كل هذا الاهتمام المبالغ فيه؟ وفي هذا قال أحدهم: "إن أكبر العوائق التي تواجهها في الحياة ليست المواقف، بل طريقة تفكيرك بها". انتبه لما يحدث مهما كان: اكتسب مهارة الانتباه الواعي فعندما يحدث خلاف مع شريك الحياة، أو صراع في العمل، أو حتى حادث بسيط، ركّز على الحاضر ولا تنجرف وراء سيناريوهات كارثية وقم بخطوات صحيحة وفق (الانتباه الصحيح). حافظ على التوازن العاطفي: توازنك الداخلي؛ فكرياً ومشاعرياً هو المفتاح الذي يمكنك من توجيه وضبط تلك المواقف مهما كانت إذ تستطيع رؤية الحلول بوضوح واتخاذ قرارات أكثر حكمة وأقرب للصواب. اطلب المساعدة عند الحاجة: إذا شعرت أنك لا تستطيع تخفيض أهمية الأمور وكسر نمط التفكير الكارثي، لا تتردد في طلب مساعدة أخصائي اجتماعي أو نفسي/حقيقي لمساعدتك على تطوير أساليب تفكير أكثر وعيًا. وأخيراً؛ إن "جبال الأهمية" ليست سوى تعقيد نضيفه إلى حياتنا بتضخيمنا للأمور وإني أدعوك -عزيزي القارئ- إلى التأمل في كيفية تعاملك مع ما يحدث من حولك فهل أنت ممن يضخم الأمور ويُشّكل هذه الجبال الوهمية؟ أم أنك تتبنى تصورًا متوازنًا يساعدك على اختيار ما هو أقرب للصواب والعيش وفق اختياراتك؟ القرار بين يديك؛ فاختر بحكمة.