بعد نهاية الشهر الفضيل الذي عمّت أجواؤه الطمأنينة والسكينة، يتشوق المسلمون إلى عيد الفطر المبارك، لما يحمل من بهجة عامرة للصغار والكبار على حد سواء، ويستعد المكيّون على وجه الخصوص للعيد بنفس الحماس الذي استقبلوا به شهر الصوم، متأهبين للإعلان عن لحظة دخول شهر شوال، وذلك من خلال تجمعهم في المسجد ليلة التاسع والعشرين من رمضان، ومنهم من يتتوق للنظر إلى السماء بغيةً لرؤية الهلال الذي يُعلن عنه بانتهاء الصوم. وبعد الإعلان عن العيد يسري الخبر إلى كل بيت وحيّ في مكة مستبشرين به، فتبدأ التجهيزات على قدمٍ وساق لاستقباله بكل سعادة وسرور، ويكتظ السوق مملوءًا بالناس الذين يتجولون هنا وهناك لشراء حاجاتهم التي تأخروا في إحضارها حتى آخر لحظة، وبهذه المناسبة السعيدة يقوم رب الأسرة بشراء الملابس الجديدة للخدم العاملين لديهم، وتعد هذه عادة متأصلة لما فيها من أجر وإدخال السرور عليهم، وليفرحوا باللباس الجديد والزاهي في هذا اليوم المميز من السنة، بالإضافة إلى العمل على تجديد ما تلف في المنزل من نوافذ وأثاث، وكذلك شراء أوانٍ جديدة عوضًا عن القديمة، كما ويبرز دور ربة المنزل بشكل واضح وجلي في أعمال المطبخ، حيث تقوم بتزيين وتنظيف غرفة استقبال الضيوف، وتجهز غرفة أخرى واسعة لطعام الإفطار الذي يبدأ بعد صلاة العيد مباشرةً، ومع الاحتفالات السعيدة وزيارات الأقارب، يقدم أهل البيت حلويات لزواره ومن أشهرها «اللدو» و»اللبنية» التي تشتهر في منطقة مكة وبالحجاز بشكل عام، ويذهب رب الأسرة برفقة أبنائه إلى محل الحلاقة استعدادًا للعيد، وتظهر الحجامة من المظاهر الشهيرة لأهل مكة فيقومون بالحجامة عند محل الحلاقة، وحتى في الشارع العام يوجد العديد من الناس الجالسين على مقاعد، وعلى ظهر كل واحد منهم كوبان من أجل عمل الحجامة، وباتت مظهرًا من مظاهر العيد على كل مكي، حتى وإن كان مصابًا بفقر الدم لا بد أن يعمل بها لإخراج الدم الزائد في جسمه، ويطهر جسمه في يوم العيد المبارك. المصدر: (كتاب صفحات من تاريخ مكةالمكرمة) المؤلف (سنوك هورخرونيه)