السمعة رأس المال الحقيقي لأي كيان يسعى للاستدامة والتأثير، ويخطئ من يظنها مجرد صورة ذهنية. وفي القطاع غير الربحي يعد الحديث عن السمعة ضرورة استراتيجية تُحدد مستوى الثقة والمشاركة المجتمعية، فيما أنه يذكر في مجالات أخرى على سبيل الترف! خلال السنوات الأخيرة، شهدت المملكة تحولًا نوعيًا في إدراك المجتمع لهذا القطاع، حيث ارتفعت مستويات الثقة إلى 86%، وهو مؤشر على نجاح المنظمات غير الربحية في تعزيز مصداقيتها وترسيخ مكانتها كجزء أساسي من التنمية الوطنية. أكّد د. رياض بن ناصر الفريجي الخبير في الاتصال التنموي على التحول الجذري في إدراك المجتمع السعودي للقطاع غير الربحي، حيث سجلت مستويات الثقة ارتفاعًا مما يعكس نجاح القطاع في بناء صورته الذهنية وتعزيز سمعته المؤسسية، وهو ما يؤكد أن الاتصال التنموي يشكّل عنصرًا حاسمًا في رسم ملامح العلاقة بين القطاع والجمهور. ويرى الفريجي أنه لامجال للصدفة في هذه النتائج، وإنما جاء نتيجة لممارسات اتصالية ناضجة، واعتماد متزايد على الشفافية وتأصيل ثقافة التوثيق، وتفعيل المنصات الرقمية كأدوات رئيسة في التواصل مع المجتمع، إلى جانب استثمار ذكي في الأدوات الإعلامية الحديثة، حيث تجاوز القطاع غير الربحي مرحلة التعريف بدوره، وانتقل إلى مرحلة التأثير الفعلي في الرأي العام، مدعومًا بحزمة من التشريعات والمبادرات التي عززت حضوره المؤسسي، ولم يعد مجرد متلقٍ للدعم، بل أصبح شريكًا فاعلًا في الاقتصاد الاجتماعي، قادرًا على تقديم حلول مستدامة وتعظيم الأثر. كما يشير إلى التحولات الاستراتيجية في إدارة السمعة فالمنظمات غير الربحية باتت أكثر وعيًا بأهمية بناء سمعة قائمة على المصداقية والاستدامة، وليس مجرد حملات تسويقية وقتية، فمع تضاعف عدد المنشآت غير الربحية أصبح التمايز يعتمد على السمعة كعامل رئيسي في جذب المتبرعين والشركاء الاستراتيجيين، وقد لعبت المؤسسات الأهلية المانحة والجمعيات الخيرية دورًا في إرساء صورة احترافية للقطاع، مما أدى إلى ارتفاع مستوى الثقة وزيادة المساهمة الاقتصادية. وأكد الفريجي -ومن منظور الاتصال التنموي- أن السمعة لا تُبنى بالكلمات، بل بالأفعال، فالمتابع للمشهد الاتصالي يدرك أن بناء السمعة المؤسسية للقطاع غير الربحي لم يكن مهمة سهلة، فقد مرّ القطاع بمراحل من التحديات، كان أبرزها الحاجة إلى إقناع المجتمع بقدرته على تحقيق الأثر الفعلي، وليس فقط جمع التبرعات أو تنظيم الفعاليات، هذا التحول تطلب نهجًا جديدًا في الاتصال، يعتمد على قياس الانطباعات، ورصد التوجهات، وتصميم رسائل تستهدف بناء الثقة نحو التأثير المجتمعي بدلاً من التركيز على الرسائل الترويجية التقليدية. كما أسهمت البيانات المفتوحة والتقارير الدورية في تعزيز الشفافية، حيث باتت الجمعيات والمؤسسات غير الربحية أكثر قدرة على تقديم معلومات دقيقة حول أدائها المالي والاجتماعي، كما ساعدت الشراكات مع القطاع الخاص في رفع مستوى المهنية وتعزيز المسؤولية الاجتماعية، مما انعكس إيجابيًا على السمعة المؤسسية للقطاع، فلا يكفي أن تتحدث المنظمة عن نفسها، بل يجب أن يكون خطابها مدعومًا بممارسات تعزز مصداقيتها، مثل الإفصاح المالي، وإبراز الشراكات، وتقديم تجارب نجاح حقيقية ويؤكد ان الطريق إلى المستقبل يبدأ من الثقة ويصل إلى التمكين، فالوصول إلى هذا المستوى من الثقة المجتمعية يمثل نقطة تحول، لكنه ليس خط النهاية، إذ أن استدامة هذه الثقة تتطلب استمرارية في الأداء، وتطويرًا مستمرًا لاستراتيجيات الاتصال، وإدارة أكثر احترافية للسمعة المؤسسية. وفي ختام حديثه؛ قال الفريجي : إن القطاع غير الربحي في المملكة أمام فرصة تاريخية ليكون نموذجًا عالميًا في ترسيخ السمعة المؤسسية المبنية على الأثر التنموي الفعلي، وليس على الخطاب الدعائي، وأن ما تحقق في سمعة القطاع غير الربحي خلال السنوات الماضية هو إنجاز يستحق التقدير، لكنه أيضًا مسؤولية تستوجب مواصلة العمل، لتصبح السمعة الإيجابية ليست مجرد مؤشر مرحلي، بل ثقافة مؤسسية راسخة، وأن استمرار هذا الزخم الإيجابي يتطلب تطوير استراتيجيات اتصال أكثر احترافية، تستند إلى الشفافية، وتحترم ذكاء الجمهور، وتضع الأثر الحقيقي في قلب كل رسالة.