في القرن التاسع عشر، شكلت السكك الحديدية الاقتصاد الأميركي، وأحدثت ثورة صناعية بربط المناطق البعيدة ببعضها. بالمقارنة، توجد اليوم ثورة جديدة في البنية التحتية ممثلة في مراكز البيانات. ومثلما كانت السكك الحديدية العمود الفقري لتوسع أميركا الصناعي، ستصبح مراكز البيانات وشبكاتها العمود الفقري الجديد لاقتصاد الذكاء الاصطناعي. في كلا الحالتين، تتطلب البنية التحتية استثمارات ضخمة ودعم حكومي بناء على رؤية طويلة الأجل. ومع وجود تشابهات ملفتة، فإن مخاطر الاستثمار تختلف اختلافا كبيرا. توسعت السكك الحديدية في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين نتيجة استثمارات رأسمالية هائلة. رصفت آلاف الأميال من السكك والجسور والأنفاق، مما رفع الطلب على الحديد الصلب والخشب والعمالة. مول المشروع من استثمارات من القطاع العام والخاص، من إعانات حكومية واستثمارات أجنبية. كان الشك كبيرا حول العائد من الاستثمار، لكن بمرور الوقت، تحسنت اقتصاديات السكك الحديدية مع توسع الشبكة حيث انخفضت التكاليف وزادت الكفاءة. وبالمثل، تتطلب مراكز بيانات استثمارات رأسمالية هائلة، لكنها تختلف عن السكك الحديدية من عدة جوانب. يمكن بناء مراكز البيانات وتشغيلها والاستفادة منها في وحدات دون الحاجة إلى تكوين شبكة، حيث تبنى تدريجيا بدلا من الحاجة إلى تكاليف مسبقة ضخمة مثل السكك الحديدية. ومع ذلك، تواجه مراكز البيانات تحديا فريدا حيث تتقادم التقنية بسرعة. على عكس السكك الحديدية، التي يمكن أن تظل تعمل لعقود مع الصيانة، تتطلب البنية التحتية للذكاء الاصطناعي ترقيات مستمرة، مما يجعل إعادة الاستثمار ضرورة مستمرة. بالنسبة لعوائد الاستثمار، أظهرت السكك الحديدية ومراكز بيانات الذكاء الاصطناعي إمكانية الحصول على عوائد كبيرة، ولكن بطرق مختلفة. خفضت السكك الحديدية التكاليف بإحداث ثورة في النقل، حيث مكنت البضائع من التحرك على مناطق شاسعة، ومع توسع الشبكات، تضاعفت العوائد، حيث نمت معها صناعات الصلب والفحم والزراعة. في سنواتها الأولى، حققت السكك الحديدية الناجحة عوائد عالية، وبمرور الوقت، أصبحت بنية تحتية توفر تدفقات إيرادات ثابتة. على النقيض من ذلك، قد تكون عوائد مراكز بيانات غير ملموسة لكن أثرها التحولي كبير. لأن مراكز البيانات تشغل تطبيقات الذكاء الاصطناعي، فهي تولد تدفقات إيرادات ضخمة غير مباشرة من الحوسبة السحابية التي تحول الذكاء الاصطناعي إلى خدمة. بالمقارنة، كانت احتكارات صناعة السكك الحديدية إقليمية مما وزع الفرص الاقتصادية جغرافيا، لكن يسيطر على بنية الذكاء الاصطناعي التحتية مجموعة قليلة من الشركات المحتكرة التي تجني نصيب الأسد من الأرباح تاركة الشركات الأصغر في محاولاتها اليائسة للمواكبة. إذا كان عائد الاستثمار الإجمالي لمراكز البيانات كبيرا، فإنه يتركز في أيدي القلة، هذه الحقيقة تثير القلق حول مستقبل الاقتصاد الجديد الذي يزيد مركزية مما يؤدي إلى اقتصاد احتكاري مركب من كيانات ضخمة لا يتحمل الاقتصاد فشلها.