من السهل أن ترثي قائداً مهما كانت إنجازاته و مهما بلغت عظمته في نفسك ، أمّا أن ترثي أباً إنهُ والله لأمرٌ يُذيب الروح ويعتصر القلب مما لا يدع لك حديثاً مجزياً غير أنهُ يُصيب قلمك بشيٍ من الذهول وعصورٍ من الإرباك والصمت ، وما إن تستجمع قواك لتكتب حتى تجد أنّ مشاعرك تتلعثم أمام حزنك ! لم تكن أولى ساعات الجمعة الموافق 2015/1/23 م بداية يومٍ شتوي بارد الأنفاس فحسب ، لكنّ صقيعهُ امتدّ إلى النفوس بعد إعلان المصاب الجلل في وفاة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود ليستيقظ أبناء الشعب وقد وجدوا أنفسهم أيتاماً لا يدرون أيأخذون العزاء أم يعطونه ، فالمُصاب واحد والأحزان واحدة ، لينتهي بهم الأمر يعزّي بعضهم بعضاً ، ولم تكن سوى بضعُ ساعاتٍ حتى أُعلن الحداد و نُكّست الأعلام في أرجاء المعمورة ، سار كُلُّ شيءٍ بسرعة و شُيّع الفقيد على أكتاف شعبه كما لم يُشيّع شعبٌ من الشعوبِ في هذا العهد من الزمان قائده ، في صورةٍ تُجسّد للعالم بأسره معنى أن يكون القائد أباً ، وأن يكون الشعبُ ابناً بارّاً . شاء الله وترجّل فارس الوطن و فقيد الأمّة تاركاً خلفهُ أكواماً من الحزن تُخيّم على ميادين الخيل والفروسية التي لطالما خصّها بودّه وكريم رعايته فاستوطنت قلبه واستقرّت في وجدانه ، ترجّل فارس الوطن لكنّه قبل أن يرحل ترك شيئاً من الشجن في حنجرة هذا الوطن ، فلا تعجب إذا نادى المنادي " سيّدي سمعاً وطاعة " و أجهش الشعب كلّه بالبكاء في المرّة الأولى التي تُقام فيها العرضةُ السعوديّة بعد رحيله فإنّها لطالما كانت تزهو به كما كان شعبه به يزهو ، فسبحان الذي سخّر له شعباً يدعو له في الثلث الأخير من الليل و في ساعة استجابةٍ من يوم الجمعة ، ثم فاض حزنهُ رثاء ضاقت به الصدور . لا عاد تسأل كيف أو ليه وشلون حدّت شعوب الأرض في ظرف ساعة ياشيب عينٍ شافت العود مدفون وياشيب قلبٍ هاجد الليل راعه أبكي وأنا محزون و الشعب محزون على الفقيد اللي غبنّا وداعه وأدوّره ما بين ناسٍ يصلّون و استغفر الله من جحود وجزاعة ترفّقوا .. بالهون ياللي تهيلون من الثرى فوقه وحبّوا ذراعه وبلّغوا عنّا قبل عنه تقفون و صيّتك يالعود سمعٍ وطاعة اللهم اجبر مصابنا و أحسن عزائنا و تغمّد فقيدنا بواسع رحمتك ، اللهم و وسّع له في قبره وآنس وحدته ، و ثبّته عند السؤال ، واغفر له و ارحمه يا أرحم الراحمين ، و وفّق اللهم سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ، وسمو سيدي ولي العهد الأمير مقرن بن عبدالعزيز و سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن نايف حفظهم الله لخدمة البلاد والعباد و نصرة الإسلام والمسلمين .