في عالم السياسة، يسعى بعض القادة إلى تقديم أفكار يروّجون لها باعتبارها "خارجة عن الصندوق"، أي غير تقليدية وجريئة، لكن الواقع يكشف أنها ليست سوى حلول سطحية أو غير قابلة للتطبيق، بل قد تكون كارثية من الناحية الأخلاقية والعملية. مثال ذلك، ما طرحه الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشأن تهجير سكان غزة إلى دول أخرى كحل للصراع القائم، وهي فكرة تبدو للوهلة الأولى كأنها "ابتكار سياسي"، لكنها في الحقيقة تفتقر إلى أي منطق إنساني أو استراتيجي. فكرة تهجير شعب بأكمله من أرضه ليست غير واقعية فقط، لكنها تتجاهل التاريخ والجغرافيا والحقوق المشروعة لأهل غزة، فضلًا عن التداعيات السياسية والأمنية التي ستترتب عليها. هذا النوع من الطروحات، الذي يُسوَّق أحيانًا على أنه "تفكير خارج الصندوق"، هو في جوهره تجاهل للقوانين الدولية، وانحياز لمقاربات قسرية تعيد إنتاج الأزمات بدلًا من حلها. الخطير في مثل هذه الطروحات أنها تتعامل مع الأزمات السياسية على أنها معادلات نظرية يمكن حلها بقرارات جذرية دون النظر إلى تعقيداتها. فترمب، الذي اشتهر بتقديم مقترحات سياسية مثيرة للجدل، لم يضع في اعتباره أن تهجير الفلسطينيين لن يحل القضية، بل سيخلق أزمة أكبر تمتد آثارها لعقود، تمامًا كما حدث مع نكبة 1948. السياسة ليست مجرد استعراض للأفكار الجريئة، بل هي توازن دقيق بين الإبداع والواقعية، وبين الطموح والمسؤولية. إن التفكير "خارج الصندوق" لا يعني تقديم حلول صادمة دون دراسة، بل يعني البحث عن مسارات واقعية تحقق العدالة والاستقرار، لا مجرد مقترحات تهدد السلم الإقليمي وتحول معاناة الشعوب إلى لعبة سياسية. د. عدي بن محمد الحضيف