ربما عُرِف مصطلح (الأدب) في فترة زمنية تعود إلى منتصف القرن الثاني الهجري، حينما ألّف ابن المقفع (142ه) (الأدب الكبير والأدب الصغير)، ثم لما صنع ابن قتيبة (276ه) كتابه (أدب الكاتب)، ثم عندما صنّف المبرّد (285ه) كتابه (الكامل في اللغة والأدب)، ثم تتابعت المؤلفات فيما بعد مستعملة لفظة (الأدب)، كما عند أبي بكر الصولي (336ه) في أدب الكتّاب، وابن السيد البطليوسي (521ه) في كتابه (الاقتضاب في شرح أدب الكتاب)، وغيرهم، إلى أن وصلنا القرن السادس الهجري، عندما ظهر الزمخشري (538ه) فجعل الأدب علوماً يُحترز بها عن الخلل في كلام العرب لفظًا وكتابةً، وجعلها اثني عشر علماً، منها أصول؛ لأنها العمدة، وهي: اللغة، والصرف، والاشتقاق، والنحو، والمعاني، والبيان، والبديع، والعروض، والقوافي. ومنها فروع، وهي: الخط (الإملاء)، وقرض الشعر، والإنشاء، والمحاضرات، والتواريخ. ثم جاء ابن الأنباري (577ه) في كتابه (نزهة الألباء في طبقات الأدباء) الذي أعطى الأدب تعريفاً واسعاً، ومفهوماً جامعاً، فقال في ترجمة هشام الكلبي: «فإنه كان عالمًا بالنسب، وهو أحد علوم الأدب؛ فلهذا ذكرناه في جملة الأدباء، فإن علوم الأدب ثمانية: النحو، واللغة، والتصريف، والعروض، والقوافي، وصنعة الشعر، وأخبار العرب، وأنسابهم. وألحقنا بالعلوم الثمانية علمين وضعناهما، وهما: علم الجدل في النحو، وعلم أصول النحو، فيعرف به الناس وتركيبه وأقسامه من قياس العلة، وقياس الشبه، وقياس الطراد إلى غير ذلك؛ على حد أصول الفقه، فإن بينهما من المناسبة ما لا يخفى؛ لأن النحو معقول من منقول؛ كما أن الفقه معقول من منقول، ويعلم حقيقة هذا أرباب المعرفة بهما»، ويلحظ كيف أن هذا التعريف فتح الأدب على أفق رحب من العلوم اللغوية والتاريخية، وهو ما يؤكد نظرية أن الأدب واسع شاسع، وأنه بحر لا ساحل له. ثم أصبح الأدب في عصور تلت إلى عصرنا الراهن خاصاً بالشعر، والنثر، وما اندرج في مسلكهما من الأجناس، والأشكال، وهذا هو الشكل الذي عُرِف به، وينبغي أن يكون؛ ذلك أن النثر الفني في عمومه واتساعه - وكذلك الشعر - يجعلان من الأدب فضاءً رحيباً، وعالمَاً ممتداً؛ لذلك فإن سؤال: إلى أين يسير الأدب سيظل سؤالاً مؤرقاً، ويجعل الناقد الأدبي الفرنسي (رولان بارت 1980م) السؤال أكثر تعقّدًا حينما قال في كتابه (درس السيميولوجيا) إجابة عن هذا السؤال: ما عساه يكون البديل؟ الأدب أم شيء آخر؟ إن الأدب إما أن لا يكون، وإما أن يستمر ويبقى». وفي الإجابة عن السؤال ذاته، يقول المنظّر الأدبي الفرنسي (موريس بلانشو 2003م): «إنه (أي الأدب) يسير نحو ذاته»، ثم يضيف: «وفيما يخصّني لستُ أعلمُ إلى أين يسير الأدب، أليست المسألة أكثر اتساعاً؟ ألا تؤول في النهاية إلى هذا السؤال: «ما الأدب؟»، ثم يطرح (رولان بارت) تساؤلاته التي يجيب فيها عن هذا السؤال مرة أخرى، فيقول: «يجب التساؤل إلى أين ينبغي أن يسير الأدب؟ بمعنى أن علينا أن نطرح مسألة (أتوبيا) الأدب، ولكن يلزم قبل ذلك فحص بعض جوانب الأدب كموضوع. إن مفهوم الأدب مفهوم عائم، شديد الاتساع، ثم إنه تطور كثيراً عبر التاريخ.. وهذا أمر بالغ الأهمية؛ لأن الأدب ليس موضوعاً خارج الزمان، ليس قيمة خارج الزمان، وإنما هو مجموعة من الممارسات، والقيم المشروطة بمجتمع معين».