المسار السياسي في السعودية اليوم يشكل انعكاسًا طبيعيًا للتكامل مع سياساته الداخلية والخطط الهادفة لتحقيق تنمية اقتصادية وبشرية وثقافية عبر تنفيذ حزمة من الإصلاحات هدفها إنجاز تحديث شامل في المملكة، فالسعودية تسعى لتحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة عبر التزام إقليمي يعطي الأولوية لأمن الشرق الأوسط ومصالحه السياسية بعيدًا عن مقتضيات وأهداف من يحاولون التأثير في المنطقة.. التطورات في الشرق الأوسط وخاصة فيما بعد السابع من أكتوبر شهدت تحولات جذرية كبرى لم تكن متوقعة، فالصورة الجيوسياسية اليوم للمنطقة شهدت انحسارا واضحا للنفوذ الإيراني وتحولا في المشهدين اللبناني السوري، ومؤشرات التحول في بقية مناطق القلق في الشرق الأوسط هي في طريقها إلى الحدوث، فواقع الحالة السياسية يثبت أن أحجار الديمنو التي كانت قائمة في المنطقة بدأت تتساقط، وخاصة تلك الأذرع التي كانت تمتد نحو عدة عواصم عربية، بجانب تتويج هذه التحولات بانتخاب الرئيس ترمب الذي يعد بالدعم لتحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. والسؤال الأهم يدور حول الكيفية التي سوف يتم من خلالها ملء هذا الفراغ وآلية التعامل المناسبة؟، والحقيقة أنه لا توجد هناك دولة في المنطقة أكثر تأهيلا لقيادة هذا التغير نحو الاستقرار والسلام والتنمية مثل المملكة العربية السعودية التي تحتل مكانة مهمة في إدارة السياسة الإقليمية في الشرق الأوسط، فالسعودية بطبيعتها كانت ومازالت تشكل أهم لاعب إقليمي في المنطقة، والسعودية ومن واقع مسؤوليتها العربية والإسلامية والدولية هي محط الأنظار، فبعد تولي الملك سلمان -حفظه الله- قيادة المملكة وتنصيب سمو ولي العهد أخذت السياسة السعودية بُعدها الدولي وتحديدا بعد أن قدمت السياسة السعودية نفسها في عهدها الجديد من خلال رؤيتها 2030 بقيادة سمو ولي العهد. السعودية وعبر تاريخيها قادرة على تحقيق الفاعلية الإقليمية والدولية في الكثير من القضايا والملفات السياسية، وبهذه الصورة للتطورات أصبحت السعودية جزءًا لا يتجزأ من المعادلة السياسية وطرفا لا يمكن تجاهله في أي تسوية أو إجراء سياسي، وقد حققت السعودية هذه المكانة من خلال عملية منهجية أسهمت في تكييف السياسة الخارجية السعودية وفقا لمقتضيات المرحلة وبما يتوافق مع التطورات والتوجهات الإقليمية والدولية، وكل ذلك يحدث انعكاسا للمشروع السعودي بشقيه السياسي والتنموي المتمثل في رؤية 2030 التي تركز وبشكل أساسي على التطوير والتنمية والإصلاحات الجذرية في الداخل السعودي. المسار السياسي في السعودية اليوم يشكل انعكاسا طبيعيا للتكامل مع سياساته الداخلية والخطط الهادفة الى تحقيق تنمية اقتصادية وبشرية وثقافية عبر تنفيذ حزمة من الإصلاحات هدفها إنجاز تحديث شامل في السعودية، وهنا لابد من الإشارة إلى أن السعودية تسعى إلى تحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة عبر التزام إقليمي يعطي الأولوية لأمن الشرق الأوسط ومصالحه السياسية بعيدا عن مقتضيات وأهداف من يحاولون التأثير في المنطقة. فالتطورات التي حدثت في الشرق الأوسط منذ السابع من أكتوبر 2024، ساهمت في تغيير جذري للمنطقة، فغياب قادة حزب الله وتراجع الدور الإيراني وفرار الأسد ساهم في انحسار أهم المخاطر التي كانت تهدد المنطقة، ولكن ذلك أيضا ولّد فراغا لا يمكن تعويضه بسهولة، لذلك فإن التحرك الذي تشهده المنطقة اليوم ارتبط بعقيدة سياسية سعودية ثابتة مكونة من ثلاثة مسارات هي: دعم الاستقرار وتحقيق السلام وتعزيز التنمية.. فالسعودية وهي تستثمر مكانتها الدولية والإقليمية تسعى إلى أن تثبت للعالم أن الشرق الأوسط وخاصة المنطقة العربية قادرة على التحول إلى مسار عالمي مليء بالتحضر والاندماج الدولي ولكن بشرط أساسي أن يتم إبعاد المنطقة من أن تكون نقطة للصراع الأيدلوجي أو مسرحاً لتقاطع المصالح. السياسة السعودية بطبيعتها التاريخية تسعى إلى خيارات هدفها تحقيق تطلعات جميع الأطراف من خلال التفاوض وفتح المسارات الدبلوماسية والسعي إلى حل النزاعات والقضايا العالقة بشكل مباشر، حيث تسعى السياسية السعودية اليوم وخاصة مع الطرفين اللبناني والسوري إلى العمل على التخلص من الخصومات السياسية بين الأطراف الفاعلة سواء في لبنان أو سوريا والسعي إلى بناء جبهة دولية تساهم في تخفيف الآثار السياسية والاقتصادية التي تعرضت لها كلا الدولتين. التحول في السياسة السعودية خلال العقد الماضي هو في طبيعته مبني على عقيدة سياسية خياراتها واضحة ومقوماتها الاستقرار والسلام والتنمية، فالمشروع السعودي مسار اندماجي يتيح الفرصة الكاملة للمنطقة أن تكون شريكا استراتيجيا للرؤية السعودية، وبدون هذه العقيدة السياسية الواضحة التي تدفع بها السعودية -وهي الدولة الاكثر تأهيلا- فإن بقاء التوترات السياسية دون حل وخاصة في لبنانوسوريا قد يعيد المنطقة إلى حالة من المواجهة، وهذا ما سوف يجعل خيار انعدام الاستقرار في المنطقة حقيقة يصعب التعامل معها؛ ليس إقليميا وإنما أيضا على المستوى الدولي.