من السابق لأوانه معرفة كيف ستغير حرائق لوس أنجلوس الحياة في ولاية كاليفورنيا، إلا أن الأمر يعتمد بشكل كبير على الإجابة عن سؤال واحد: هل ينفد المال من برنامج التأمين الغامض؟، خاصة أن مسؤولين في خطة كاليفورنيا العادلة، أو ما يطلق عليها خطة "FAIR"، وهي شركة التأمين الأخيرة في الولاية، لم يكن لديهم سوى 377 مليون دولار متاحة الأسبوع الماضي لسداد مطالبات تلامس مليارات الدولارات، فيما زعزعت الكارثة استقرار سوق العقارات السكنية في كاليفورنيا البالغ حجمه 10 تريليونات دولار. وتم إنشاء هذا البرنامج، خطة كاليفورنيا العادلة، من قبل المشرعين في الولاية في عام 1968 لتغطية الأشخاص الذين لم يتمكنوا من الحصول على تأمين منزلي قياسي لأسباب مختلفة، ولكن مع تغير المناخ الذي يجعل حرائق الغابات أكثر تكرارًا وكثافة، مما يدفع شركات التأمين التجارية إلى الانسحاب من الولاية، أصبحت خطة كاليفورنيا العادلة سريعة النمو هي المحور الذي يربط سوق التأمين الهش المتزايد في كاليفورنيا. وبسبب الحرائق التي اندلعت الأسبوع الماضي، فإن هذا المحور قد يكون على وشك الانهيار، مع عواقب من شأنها أن تتردد أصداؤها في مختلف أنحاء اقتصاد كاليفورنيا، وحتى يوم الجمعة الماضي، لم يكن لدى خطة FAIR سوى 377 مليون دولار متاحة لسداد المطالبات، ولم يُعرف بعد حجم المطالبات التي ستتحملها الخطة، لكن إجمالي الخسائر المؤمن عليها من الحرائق حتى الآن قُدِّرت بنحو 30 مليار دولار، ولأن الحرائق لا تزال مشتعلة، فقد يرتفع هذا الرقم. على عكس شركات التأمين العادية، لا تستطيع خطة FAIR أن ترفض تغطية المنازل لمجرد أنها تقع في مناطق معرضة للخطر، ونتيجة لهذا، ومع تزايد خطر حرائق الغابات، تراكمت المنازل التي تعتبرها شركات التأمين الكبرى شديدة الخطورة في دفاتر خطة FAIR، وبين عامي 2020 و2024، تضاعف عدد المنازل التي تغطيها الخطة إلى أكثر من الضعف، ليصل إلى ما يقرب من نصف مليون عقار بقيمة تضاعفت ثلاث مرات إلى حوالي نصف تريليون دولار . وأصبحت المنازل في منطقة باسيفيك باليساديس، وهو حي في منطقة ويست سايد في لوس أنجلوس، مشمولة بخطة FAIR بشكل متزايد، فقد أدت الحرائق في المنطقة إلى تدمير أكثر من 1000 منزل حتى الآن، وإلحاق الضرر ب 5427 منزلًا، وتهديد 12250 منزلًا آخر، وفقًا للبيانات التي أصدرتها وكالة إدارة الطوارئ الفيدرالية. خطة FAIR ومنذ اندلاع الحرائق الأسبوع الماضي، رفضت خطة FAIR الكشف علنًا عن مقدار الأموال المتاحة لديها، وقال المتحدث باسمها، باتريك دورسي، إن الخطة "مستعدة لكارثة"، فقد ذكر مكتب مفوض التأمين في كاليفورنيا ريكاردو لارا، الذي ينظم خطة FAIR، أن الأموال المتاحة هي 377 مليون دولار فقط، وإذا لم يكن لدى الخطة ما يكفي من الأموال لسداد جميع مطالباتها، فيمكنها الاعتماد على ما يسمى بإعادة التأمين، وهو في الواقع تأمين لشركات التأمين في حالة تجاوز خسائرها مبلغًا معينًا. ورفض دورسي تقديم تفاصيل حول حجم تغطية إعادة التأمين التي يوفرها برنامج FAIR، لكن الخطة توفر 5.75 مليارات دولار من إعادة التأمين، وإذا لم تتمكن خطة FAIR من تعويض خسائرها من إعادة التأمين وحدها، فيمكنها المطالبة بالأموال من شركات التأمين في كاليفورنيا لتعويض الفرق، ولكن هذا الطلب، الذي يسمى التقييم، من شأنه أن يخلق مشكلة جديدة، بسبب أن شركات التأمين التي بقيت في كاليفورنيا كانت تكافح بالفعل لكسب المال، وإذا حصلت هذه الشركات على فاتورة من خطة FAIR، فقد يعيد البعض النظر في قرارهم بالبقاء، وربما تقوم بعض شركات التأمين بتقييم شهيتها للمخاطرة، لكن، من المستبعد أن يؤدي ذلك إلى جعل سوق كاليفورنيا التأميني أكثر جاذبية. يثير احتمال فشل خطة التأمين التي تدعمها الدولة في تغطية الخسائر قلق الكونجرس، ففي العام الماضي، أعرب السيناتور الديمقراطي شيلدون وايتهاوس، رئيس لجنة الميزانية في مجلس الشيوخ آنذاك، عن قلقه إزاء الضغوط المالية التي تتعرض لها خطة التأمين التي تعتمدها ولاية فلوريدا باعتبارها الملاذ الأخير، وأشار إلى الطلبات المستقبلية المحتملة للحصول على خطة إنقاذ فيدرالية، مضيفاً أن عدم القدرة على التأمين يقوض الاقتصاد الأميركي بأكمله، وفي مارس الماضي، أشارت رئيسة خطة FAIR، فيكتوريا روتش، إلى المشرعين بأن الخطة تنطوي على قدر كبير من المخاطر، وقالت روتش خلال جلسة استماع للجنة: "لو كنا شركة تأمين عادية، لما كنا قادرين على النمو بهذا المعدل. ومع ارتفاع هذه الأرقام، أصبح استقرارنا المالي موضع تساؤلات أكثر". كما أدلت روتش بتعليق بدا وكأنه ينذر بالحرائق الحالية، وذكرت رئيسة خطة FAIR، في شهادتها: "نحن على بعد حدث واحد من إجراء تقييم كبير. ولا توجد طريقة أخرى لقول ذلك، لأننا لا نملك المال في متناول أيدينا ولدينا الكثير من التعرض هناك"، في الوقت نفسه، رفض المتحدث باسم الخطة، باتريك دورسي، إجراء مقابلة مع روتش أو أي من المسؤولين التنفيذيين الآخرين الذين وضعوا الخطة، والواقع، أن هناك أسباباً أخرى تدعو إلى التساؤل حول قدرة الخطة على استيعاب الخسائر الناجمة عن حرائق لوس أنجلوس. وتحتاج خطة FAIR، مثل غيرها من شركات التأمين في كاليفورنيا، إلى موافقة مفوض التأمين بالولاية لزيادة أقساط التأمين، ويعتقد دورسي، المتحدث باسم خطة FAIR، أن الخطة ملزمة بفرض أسعار كافية لتغطية الخسائر والنفقات، ومع ذلك، أخبرت روتش المشرعين خلال جلسة الاستماع أن خطة FAIR تحتاج إلى زيادة الأسعار بنحو 70 %، ومع ذلك، استبعدت روتش أن توافق الجهات التنظيمية على مثل هذه القفزة الكبيرة، ولهذا، طلبت الخطة رسميًا زيادة الأسعار بنسبة 48.8 %، لكن مفوض التأمين سمح لخطة FAIR بزيادة أقساطها بنسبة 15.7 % فقط. ورأت مفوضية التأمين بالولاية، أن بعض التكاليف التي استشهد بها خطة FAIR في السعي للحصول على أقساط أعلى، بما في ذلك إعادة التأمين، كانت محظورة بموجب قواعد الولاية في ذلك الوقت، وفي إبريل الماضي، مثلت روتش أمام هيئة رقابية مستقلة تابعة للدولة، حيث أدلت بشهادتها مرة أخرى بشأن التحديات المالية التي تواجه خطة FAIR، ورأى بعض المشرعين أن الترتيب أقل من مثالي، إذ يمكن لشركات التأمين أن تقرر أن بعض المنازل محفوفة بالمخاطر إلى الحد الذي لا يسمح بتغطيتها، ولكن إذا خسرت خطة FAIR المال على تلك المنازل، فسوف تضطر نفس شركات التأمين إلى دفع ثمنها على أي حال. الكابوس العقاري بين ليلة وضحاها، أصبحت لوس أنجلوس مسرحاً لكابوس عقاري، فقد دمرت الحرائق آلاف المنازل والمنشآت الأخرى، وتم إجلاء مئات الآلاف من السكان، ولن يعود العديد منهم إلى منازلهم لعدة أشهر، وبذلك، أصبحوا بلا مأوى في لحظة، وهم الآن يتدفقون إلى سوق الإسكان الأميركي، ويبحثون بشكل يائس عن مأوى، إلا أن سوق الإسكان في لوس أنجلوس غير مجهز بشكل جيد لمواجهة الأزمة، فهي بالفعل واحدة من أغلى الأسواق في الولاياتالمتحدة لشراء أو استئجار مسكن، ويرجع هذا إلى حد كبير إلى النقص الكبير في المساكن بأسعار معقولة، وازداد هذا النقص سوءًا مع تدمير آلاف المباني. نظراً إلى أن الندرة هي عدو القدرة على تحمل التكاليف، وهذا أحد المبادئ الأساسية للاقتصاد، فعندما يسعى عدد كبير من الناس إلى الحصول على عدد قليل جدًا من السلع، ترتفع الأسعار، لذلك، عندما تدمر كارثة طبيعية المساكن، وتغمر الوحدات المتبقية بالمستأجرين الجدد، فإنه من الطبيعي أن ترتفع الإيجارات في الأمد القريب على الأقل، وفي الوقت الحالي، تتزايد التقارير الإخبارية حول قيام أصحاب العقارات برفع الإيجارات إلى مستويات مذهلة، إلا أن البرامج الحكومية يمكنها مساعدة سكان لوس أنجلوس في العثور على مأوى. تشير الإحصائيات إلى أنه منذ عام 2000 وحتى عام 2020، أدت الكوارث الطبيعية في أميركا إلى زيادة الإيجارات بنسبة 5 %، وكانت هذه الزيادات في الإيجارات واضحة بشكل خاص بعد حرائق كاليفورنيا، ولم تكن هذه الزيادات خلال العقدين الماضيين، مجرد آثار قصيرة الأجل، فقد استغرق الأمر 18 شهراً حتى ظهرت الآثار الكاملة في السوق العقارية، ولم تختف تماماً، وحتى بعد مرور أربع سنوات على الكارثة، ظل المستأجرون يدفعون زيادة في المتوسط بنسبة 3 %. باختصار، فإن كوارث لوس أنجلوس ستغير بشكل دائم قطاع العقار، وأسعار الإيجارات في المدينة، بعدما تدمرت المساكن القديمة ميسورة التكلفة، مما سيسمح للمطورين ببناء مساكن أحدث وأكثر فخامة في مكانها، وستؤدي هذه التغييرات إلى ارتفاع تكاليف التأمين، في الوقت نفسه، ستحفز هذه الكارثة ولاية كاليفورنيا على تبني قواعد بناء أكثر صرامة، وهذه بدورها ستضيف إلى تكاليف البناء من أجل تحمل الكوارث المستقبلية بشكل أقوي، ومع ذلك، فإن حجم الزيادة في الإيجارات يعتمد بشكل أساسي على كيفية استجابة المجتمعات والسلطات للكارثة. دور المساعدات الفيدرالية عادة، فإن الإيجارات لا ترتفع بنفس السرعة عندما تتدخل الحكومة الفيدرالية للمساعدة، وعلى وجه التحديد، عندما يستخدم الكونجرس برنامج التعافي من الكوارث، يتم تقديم منح للمتضررين من خلال وزارة الإسكان، مصحوبًا بشروط ومتطلبات إيجارية غالبًا ما تلزم باستخدام جزء كبير من المال لبناء مساكن بأسعار معقولة، وخلال العشرين عاماً الماضية، خصص الكونجرس قرابة 27 منحة مختلفة للمناطق المتضررة من الكوارث، وبالرغم من أن هذا التدخل الحكومي، لم يمنع زيادات الإيجارات، إلا أن وتيرة الارتفاع أبطأ كثيراً من الزيادات في المناطق التي لم يرسل إليها الكونجرس أموال الإغاثة، وفي هذه الأسواق المتضررة، وفرت منح الإغاثة للمستأجر دعماً يتراوح بين 780 و1080 دولاراً من تكاليف السكن السنوية.