الانسان في طبيعته البشرية وتكوينه الخُلقي الأصل فيه العفوية والنقاء والبقاء على أصله ومعدنه الذي خُلِق عليه ولربما تربى عليه؛ ولذا جرت العادة أن الإنسان يألف الأشخاص العفويين ويحب مجالستهم، لأنه لا يحس بفوقية في سلوكهم، ولا انزواءٍ في تصرفاتهم، يتصرفون على سجيتهم في أدب وتواضع وفي المقابل قد يأنف الإنسان من الشخص الذي يكون على غير سجيته ويتقمص دور غيره رغبة في الوصول إلى مستوى الآخرين، وكأنه يقول: (ما فيه أحد أحسن من أحد) وذلك ما يسميه البعض رداء التصنع!! ولو فتشنا قليلاً في تعريفنا لمصطلح (التصنع) فلسفياً، لوجدنا أن معناه هو اعتراف المتصنع ضمنياً بأهمية بعض من الصفات التي لا يحوزها وقد لا يجيدها، ولكنه رغبة في الظهور أمام الآخر بما ليس فيه، يتصنع سلوكاً وكلاماً متوافقاً مع تلكم الصفات والقيم التي يعترف بأهميتها لدى الآخر. (يقولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ). مجتمعاتنا اليوم أصبحت تعاني من رداء التصنع في كل شيء بل أصبح التصنع ديدنهم وركيزة أساسية من حياتهم اليومية سواءً في الكلام والأحاديث أو كيفية التعامل مع الآخرين سواء كان تشدقاً في الكلام من خلال استخدام الكلمات المنتقاة من جهة، أو من خلال استخدام النعومة في نطقها من جهة أخرى مع ذر قليل من المصطلحات الإنجليزية وبعض من المصطلحات السائدة التي ربما لا يدرك أو يفهم معناها كمتحدث مروراً بنبرة الصوت وطبقاته التي تتغير في الدقيقة والثانية وصولاً إلى التصنع في الملبس واختيار أفضلها بأناقة تامة حتى أصبحت مناسباتنا ودور التعليم والأسواق والأماكن العامة مكاناً لعرض الأزياء وليست للستر والغطاء ويبرز التصنع كذلك حتى في طرق المعيشة وشراء الكماليات وتأمين المنزل بأرقى الأنواع والأصناف بالرغم من قلة ذات اليد تارة وضعف الدخل المادي تارة أخرى بل قد يستدين مرة ومرتين وثلاثاً في سبيل التصنع بما ليس له هذا إذا قسنا ذلك على المستوى الشخصي، أما على المستوى العام والذي قد يتمثل في بعض الدوائر والقطاعات الحكومية والخاصة والتي ما أن يتوارد إلى أسماعهم زيارة مسؤول ما حتى ويتم إعادة طلاء الأبواب ودهان الجدر وزراعة الورد على جنبات الطريق وتحويل المكان من مكان يباب إلى مقر يزهوه ورد في غاية الحسن والجمال!! نعم هي مجموعة من السلوكيات السلبية التي شكلت ثقافة تعامل وأسلوب حياة للعديد من الأفراد والمجتمعات، وقد نهى الشرع الحنيف عن التكلف والتصنع وإظهار الإنسان وجهاً آخر غير حقيقته، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (نهينا عن التكلف) رواه البخاري. وقال الله تعالى: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ}. قال السعدي: إن أدعي أمراً ليس لي، وأقفوا ما ليس لي به علم، لا أتبع إلا ما يوحى إليَّ، وعن أسماء رضي الله عنها أن امرأة قالت: يا رسول الله إن لي ضرة فهل علي جناح إن تشبعت من زوجي غير الذي يعطيني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور" متفق عليه. ما أجمل أن يخرج الإنسان من عباءة التصنع والتكلف إلى عباءة البساطة والتواضع والتلقائية وأن يخفف شيئاً من تصنعاته التي تكاثرت وتزاحمت حتى إن البعض قد يتساءل مرة عن شخص ما أهو فلان بن فلان؟ وعن المكان الفلاني أهو مكاننا الذي زرناه بالأمس؟ وغيرها الكثير والكثير..! كن على طبيعتك وسجيتك وفطرتك التي فطرك الله عليها دون تصنع أو تكلف تجد أن الناس تألفك وتعلي من مقامك وتقبل عليك: ما أكثر الناس الذين ودادهم في ذا الزمان تصنع وتكلف فودادهم قول وفعلهم جفا ما نفع ود زخرفته الأحرف فكلامهم جسم خلا من روحه وفؤادهم معنى الوفا لا يعرف