«أغلال عرفة».. رواية للكاتب السعودي «عبدالرحمن سفر»؛ تبدأ بتعريفنا على «عرفة» الشاب الهادئ المثقف الذي سُجن لارتكابه جريمة قتل. ينجح الكاتب في جذب انتباهك لمعرفة جريمته التي اعترف بها، ويستغرب «عرفة» أن يوكّل له محامٍ من قِبل «فاعل خير» مستبعدًا أن يكون والده؛ لسوء العلاقة بينه وبين والده من طفولته حتى الآن، والذي لن يؤثر فيه استعطاف والدة عرفة. ورغم استغرابه إلا أنه يسعد بالتواصل مع هذا المحامي، ليحارب العزلة التي كان يعاني منها، منذ أن بدأت جائحة كورونا وفرض الحظر على الجميع، وعقاب والده الذي فرض عليه عزلة إضافية لاختلافه معه في بعض الأفكار والمعتقدات، ثم جاء السجن ليكمل هذه العزلة في السجن الانفرادي بسبب تأثيرات الجائحة والعزل وما إلى ذلك. كل ذلك جعله يرغب أن يتحدث مع أحدهم، ومن خلال هذه الزيارات نتعرف على أحداث الرواية وشخصياتها، وغالبًا ما ينتهي وقت الزيارة عند أحداث مفصلية مشوّقة، فيتركنا «سفر» معلقين بانتظار الزيارة التالية، وقبل أن يحين موعد الزيارة القادمة، يطلعنا على وسائط سردية متعددة، تتيح لنا التعرف على بعض التفاصيل التي تخص قضية «عرفة»؛ سواء كانت لقاءً افتراضيًّا على zoom يتحدث فيه «عرفة» عن أفلام الرعب، وقصص الأرواح الشريرة عند كل الثقافات والديانات، أو تسجيلات صوتية انتشرت لعرفة على فضاء الإنترنت وسمعها الكثيرون ممن يتابعون قضيته، أو تقريرًا طبيًّا أو لقاء تلفزيونياً يناقش هذه القضية من وجهة نظر رجال الدين والطب النفسي، ورسائل كتبت بخط يد والده، تحمل معلومات صادمة عن طفولة «عرفة» وأخيه الأكبر الذي لا يتذكره «عرفة»، وهذا يتيح لنا التعرف على بيئة «عرفة» وماضيه وطفولته الصعبة التي عانى فيها العديد من الصدمات والمواقف المؤلمة التي تركت تأثيرها العميق على نفسيته، ونتعرف على العلاقة القصيرة بين الأخوين التي تشكل حدثًا محوريًّا في الرواية يعكس مدى تأزم العلاقات الأسرية، وتأثيرها على تشكيل شخصيات الأطفال وتفاعلاتهم مع محيطهم. فنلحظ أن الرواية كُتبت بطريقة سردية مختلفة من صفحاتها الأولى التي يطل علينا «المحرر» وكأنه من شخصيات الرواية، فوجود كل هذه الوسائط المتنوعة، أعطى عمقًا للرواية جعلها تبدو أكثر واقعية، ويجعلك كقارئ تشارك في تحليل القضية ومعرفة أبعادها. كما تضمنت معلومات متخصصة بالطب النفسي على لسان الباحث الذي كان يبحث الحالية النفسية: هل كان «عرفة» عرضة لمرض نفسي أم أنّ الجني الذي كان يتلاعب بضحيته، تلاعب به أيضًأ؟ وينجح العمل في أن يجعلك متشككًا طيلة القراءة» ما الذي يحدث: هل هناك جني فعلًا أم أن البطل يتخيل..؟ ويأتي الجواب في النهاية صادمًا وغير متوقع، وهذا ما يعطي الرواية جماليتها. وينجح الكاتب في إثارة هذا الموضوع والخلاف حوله من وجهات نظر مختلفة، وكأنه ينقل ما تفكر فيه أثناء القراءة، وما يفكر به غيرك، تقرأ وتتذكر حالات كثيرة مشابهة سواء لمرضى أو لرقاة يتاجرون بهذه الحالات ويخادعون الناس بقدرتهم على إخراج الجني من جسد الضحية بطرقهم الخاصة، الموضوع الذي يثير جدلًا مستمرًّا على مر الأجيال. ويظهر في الرواية تأثر الكاتب «عبدالرحمن سفر» بالكاتب الروسي «دوستويفسكي» خصوصًا في روايته «الجريمة والعقاب»، في محاولة منه لالتقاط الظروف المتشابهة، للمجرم «عرفة» والمجرم «راسكولينكوف» وكما يحدث مع «دوستويفسكي» فأنت لا تتهم المجرم ولا تحكم عليه، بل تحاول معرفة وفهم الظروف التي جعلته يصل إلى ما وصل إليه. «أغلال عرفة».. ليست رواية أدب سجون كما صنّفها البعض، بل هي رواية من الأدب النفسي – إن صحّ القول- ؛ حيث تعكس التحولات النفسية التي يعيشها «عرفة» بسبب الضغوط الأسرية والاجتماعية، وصراعه الداخلي جراء الشعور بالذنب لارتكابه جريمة القتل، فالرواية ما هي إلا رحلة نفسية تتكشف فيها الندوب الداخلية للشخصيات، مما يخلق تفاعلاً عاطفيًا عميقًا مع النص. عنوان الرواية ذكي وعميق، أشار إلى كل ما يمكنه أن يشكل قيدًا على «عرفة» سواء كان حقيقياً أو وهمياً. وكما يقول عرفة: «أغلال السجن شديدة، ولكن أغلال الحياة أشد وأقسى». صورة الغلاف فيها نظرة تقليدية للحرية؛ ولكن صورة الطائر الذي يرمز للحرية داخل راحة اليد، تعكس التناقض الداخلي للشخصية؛ فهو يريد الحرية، وربما يوجد حاجز داخلي يحول دون تحقيقها. «أغلال عرفة» ليست رواية عن شخصية خيالية فحسب، بل هي مرآة تعكس أغلالًا قد نجدها في حياتنا أو حياة مَن حولنا. رواية «أغلال عرفة» صادرة عن دار رشم للنشر والتوزيع، ووصلت إلى القائمة القصيرة في جائزة القلم الذهبي.