في ضوء نظرية التلقي التي اهتمت بالقارئ، وأعادت له مزيداً من الوهج، وبعثت فيه كثيراً من الاهتمام، تبدو عنايتها بأفق التوقع لدى المتلقي منذ العقد السادس من القرن الماضي، حيث اضطلعت بنقد استجابة القارئ، سواء أكان واحداً، أم مجموعة (جمهور)، وكان تركيزها متوجهاً نحو أثر هذا المستقبِل في قراءة عمل أدبي ما؛ لذلك عُدّت مسألة (استجابة القارئ) ضمن أولويات نظرية التلقي بوصفها عنصرًا مؤثراً في العملية التواصلية، وقد حظيت هذه المسألة النقدية وفق (نظرية التلقي) بمزيدٍ من الدراسات والمقالات في تطبيقها على النص الأدبي بوجه خاص، وعلى الخطابات بوجه عام، غير أننا اليوم يمكن أن ننظر إليها من زاوية استجابة أخرى، وهي استجابة القارئ الاجتماعي، ونعني به القارئ (الوسائطي)، أو القارئ التقاني (السوشلي) الذي يتعامل مع قنوات التواصل الاجتماعي (Social Media). ولئن دلّت عبارة (سوشل ميديا) على وسائل التواصل المواكبة، واستخدام (تكنولوجيات الإنترنت) والتقانات المتنقلة عبر الحواسيب والهواتف الذكية، فإنها بهذا تتعامل مع حوار تفاعلي متنوع، ومن هنا نحن أمام قرّاء متعددين ومختلفين في تواصلهم الاجتماعي من خلال هذه الفضاءات الإلكترونية، فلكل قارئ فنّه، وميدانه، وتخصصه، واهتمامه، كما أن لكل قارئ وسيلته وقناته التي يميل إليها، أو يتفاعل معها، وفي ضوء ذلك التنوع قد يكون القارئ الواحد ذاته مهتماً بصنوف كثيرة من تلك الوسائل والقنوات، فيتفاعل معها كلها، أو أكثرها، وقد ينصرف اهتمامه إلى بعضها، أو أحدها، وعندئذ قد يكون استقباله، أو (أفق توقعه) واحداً، أو متقارباً، أو متفاوتاً، وهذا التغيّر قد يفرضه مجال القارئ، أو شخصيته، أو سلوكه، أو طبيعة الجمهور العام الذي يتواصل معه. ويمكنني هنا الاستفادة من ألوان الأنماط السلوكية عند (توماس إريكسون)، لكنني سأتوسع قليلاً بحسب قنوات التواصل الاجتماعي، فاجعل القارئ الأخضر لقارئ (واتساب)، والقارئ الأسود لقارئ (إكس)، والقارئ الأزرق لقارئ (فيس بوك)، والقارئ الزهري لقارئ (إنستقرام)، والقارئ الأصفر لقارئ (سناب شات)، والقارئ الأحمر لقارئ (يوتيوب)، والقارئ الأبيض لقارئ (تيك توك)، ولئن كان لكل لون دلالته، فإن لكل قارئ استجابته، ولكل قارئ قدرته على معرفة المعنى، والتفاعل معه، ومن ثم فإن النظر إلى عواطف القارئ، ومشاعره، وعواطفه، وقدراته العلمية والعقلية أمور مهمة في نقد استجابته، أو رسم (أفق انتظاره) كما يقول نقّاد نظرية التلقي. إننا في هذا الخضم الذي نعيشه اليوم من تنوع وسائل التواصل الاجتماعي أمام قارئ منفتح لا تضبطه حدود نص معيّن، (النص الأدبي مثلاً)، فهو أمام بحر غزير ومتلاطم من النصوص العامة، والخطابات المتنوعة؛ لذلك قد نجد أصنافاً مختلفة من القارئ، كالقارئ المتعلم، والقارئ محدود المعرفة، والقارئ الكبير، والقارئ الصغير، والقارئ المتيقظ، والقارئ النائم، والقارئ الإيجابي، والقارئ السلبي، والقارئ المتزن، والقارئ المضطرب، والقارئ السعيد، والقارئ الحزين، والقارئ العميق، والقارئ السطحي، والقارئ الهادئ، والقارئ الغاضب، والقارئ الحامد، والقارئ الحاقد، والقارئ الراضي، والقارئ الناقم، والقارئ المتفائل، والقارئ المتشائم، والقارئ اللطيف، والقارئ العنيف، والقارئ الواعي، والقارئ الساذج، والقارئ الحصيف، والقارئ الأحمق، والقارئ الكريم، والقارئ البخيل، والقارئ السريع، والقارئ البطيء، ونحو ذلك من أصناف القارئ الاجتماعي. وإذا كان لكل قارئ استجابة معينة، ترتبط بسلوكه وطباعه، وتتأثر بعاداته وأخلاقه، فإننا حينما نتعرف على تلك الأصناف القارئة جيداً، نستطيع التعامل معها حسب (أفق التوقع) المطلوب، وحسب (أفق الانتظار) المنشود.