في عصرنا الحالي غمرنا فيض من المعلومات المتدفقة من روافد متنوّعة ومتعددة، ممَّا جعل التمييز بين الحقيقة والزيف تحدِّيًا حقيقًا بالوقوف عليه مليًّا للتأكّد من موثوقية المعرفة التي نستهلكها يوميًا، والالتزام بالمعايير التي يجب أن نضعها بعين الاعتبار عند تقييم أي رافد معرفي. إنَّ القدرة على التمييز بين المصادر الموثوقة وغير الموثوقة بات اليوم مهارةً أساسية عزيزة بسبب الزخم المعرفي وتعدد روافده، الأمر الذي يتطلّب اتخاذ قرارات مستنيرة سواء أكانت قرارات شخصية أو مهنية، إذ إنّ الاعتماد على معلومات صحيحة وموثوقة يساعدنا على اتخاذ أفضل الخيارات، وعندما نشارك معلوماتنا، فإننا نكون مسؤولين عن صحتها. لذا فإنَّ التأكد من موثوقية المعلومات التي نقدّمها يساعدنا على بناء أفكار بناءة وهادفة؛ حيث يستدعي الأمر مكافحة انتشار الأفكار المضللة من خلال التشكيك فيها لضمان سبرها وتمحيصها. وتتعدَّد الروافد التي يمكن الاعتماد عليها لاكتساب المعرفة ما بين الكتب والتجارب والخبرات الشخصية والإعلام والإنترنت والمجتمعات على اختلافها والخبراء المجرِّبين، غير أنّ موثوقيتها تتطلَّب في حدِّ ذاتها بُعْدًا آخر عِمَادُهُ المصداقيّة والدِّقَّة والشفافيّة والموضوعيّة والمراجعة وغيرها من الأدوات التي تسمح لنا بتقييم المعرفة وإعادة بنائها مع وعي بالتمايز بينها وفقًا للحقائق والوقائع والمُثل. ويظلُّ الكتاب واحدًا من أقدم وأهمِّ مصادر المعرفة بفضل تنوّع محتواه، ممّا يتيح لنا فهم العلم والتاريخ والأدب والفلسفة؛ حيث يعدُّ ذا موثوقية عالية إذا ما كان مؤلفوه من الشخصيات العلميّة البارزة والمعتبرة أو ذات الخبرة. ومن ناحية أخرى فإنّ التجارب الشخصية تؤدي هي الأخرى دورًا محوريًّا في تشكيل فهمنا للعالم؛ إذ نتعلم من أخطائنا ونطوّر من مهاراتنا، ونوسِّع آفاقنا. وعلى الرغم من أنّها تجارب فردية إلا أنَّ التشاكل بينها وبين تجارب الآخرين يجعل منها رافدًا قيِّمًا للمعرفة. ويأتي الإعلام بوصفه أحد أهمِّ روافد المعرفة التي نعتمد عليها للوصول إلى المعارف والأخبار وتحليل الأحداث؛ حيث تعتمد موثوقية الإعلام على شفافية المصدر وموضوعيّته واستناده إلى الأدلة ما يستدعي منَّا دائمًا التحققَ من صحَّته وعدم الاعتماد على مصدر وحيد فقط. في حين يقدِّم الإنترنت كمًّا هائلًا من المعلومات في شتّى المجالات. وبغية الوصول إلى المعلومات الموثوقة فلا بدَّ من التأكد من المصدر كالمواقع الأكاديمية والمجلات العلمية المحكّمة، وتجنب المصادر المتحيزة أو غير الدقيقة. ولأنّ الحياة منجابٌ للخبراء والمجرِّبين فهم من نلجأ إليهم عادةً للحصول على المعرفة الحياتيّة والمهنية سواءً من خلال الاستشارات أو الورش أو البرامج التدريبية؛ حيث يمكننا تعلّم مهارات جديدة نطوّر بها معارفنا. ولضمان موثوقية المعرفة وجب التحقق من سمعة المؤلف والجهة الناشرة إذا كان الرافد كتابًا، بالإضافة إلى الاعتماد على المعلومات المدعومة بالأدلة والبراهين والتبرير والعقلانية، والتأكد من حداثة المعلومات وتوافقها مع التحديثات الإبستمولوجية والطُّرق المُتَّبعة في التحليل وفهم الحقائق. بالإضافة إلى تجنُّب المصادر التي قد تكون لها أجندات خاصة. وكلّما كان الاعتماد على المعارف المُحَكَّمَة التي تمر بعملية مراجعة نقدية كان ذلك أدعى لموثوقيَّة أعلى، مع أهمية مراعاة تعدُّد المصادر لتكوين صورة شاملة ودقيقة. وخلاصة القول، فإنّ روافد المعرفة متعدِّدة ومختلفة، ولكن يبقى التحدِّي الأكبر في التمييز بين ما هو موثوق من عدمه، إذ إنّ موثوقية المعرفة أهمُّ من المعرفة ذاتها، فهي ما يُعوّل عليه في انتخاب الأفكار وغربلة المعارف ودفع الأضرار وإقصاء الزيوف، وهي ما يُمَكِّنُنا من بناء قاعدة معرفية ذاتيّة قويَّة وصلبة ودقيقة تساعدنا على فهم العالم من حولنا بشكلٍ أدقَّ وأفضلَ.