على الرغم من التطور الكبير الذي يشهده قطاع الصناعات ليساهم في توفير احتياجات المجتمعات وتذليل التحديات والصعاب التي تواجههم، وبعد سلسة طويلة من التجارب والابتكارات للوصول إلى أفضل الوسائل والسبل الناجحة في تقديم الخدمات، إلا أن ذلك لم يُغفل الخطوات الأولى لكل الابتكارات، والتي انطلق أغلبها من مشغولات يدوية تقليدية كانت في عصورٍ ماضية تُعتبر أشبه بالخيال العلمي رغم بساطة مكوناتها وتقليدية استخدامها. وتقديرا للخطوات الأولى لتطور الصناعات، وَسَمَت وزارة الثقافة العام الجاري بمسمى "عام الحِرف اليدوية 2025"، وذلك ضمن مبادرتها السنوية بوسم الأعوام بأسماء ورموز عناصر ثقافية وطنية، حيث تسعى هذا العام لتمكين الحِرفيين السعوديين، ودعم إنتاجهم، واستثمار الفرص المساهِمة في تعزيز الصناعات الوطنية، وتنويع الاقتصاد الثقافي، ولإيمانها بأن الحِرف اليدوية الموروثة عن الآباء والأجداد تجسّد سلسلةً من القصص الممتدة بين الماضي والحاضر والمستقبل، وتعكس إبداع وإتقان الأيدي السعودية المنسجمة مع مكونات وخامات بيئتها المحلية. كما تسعى المبادرة إلى التوعية بأهمية وقيمة المهن والمنتجات التي تعتمد على الحِرف اليدوية، وما تُجسّده من عمقٍ تاريخي يُمثّل الهوية الثقافية السعودية، إلى جانب تسليط الضوء على أنواع الحِرف اليدوية السعودية، وتعزيز حضورها وارتباطها بالحياة اليومية للمجتمع، وفتح نوافذ التواصل بين الحِرفيين السعوديين والمجتمع المحلي والدولي بمختلف أطيافه. ومن المعروف بأن التكنولوجيا الحديثة أدّت إلى تقليل الاعتماد على الحرف اليدوية، مما أثّر كثيراً في تراجع تلك المهارات التقليدية، وهو ما سبّب تراجع اهتمام الأجيال الجديدة بالتعرف على تفاصيل ومهارات تلك الحِرف وأبرز استخداماتها، حتى مع جهود بعض المهتمين بالتراث، ومحاولاتهم الحثيثة لتشجيع الحِرفيين لمواصلة العمل على منتجاتهم المتنوعة رغم التغيرات الخاصة بطلبات السوق للمنتجات السريعة ذات الأسعار الرخيصة. لذلك تُعتبر مبادرة "عام الحِرف اليدوية" خطوة مهمة نحو تعزيز التراث الثقافي والحرف التقليدية، من خلال سعيها لتحقيق توازن بين الحفاظ على التراث ومواكبة التطورات العصرية، واعتمادها على تضافر الجهود الحكومية والمجتمعية لضمان استدامة التراث القيم والمتمثّل بالمنتجات التقليدية المتنوعة، التي كانت تقدم خدماتٍ مهمةً للمجتمع في سنواتٍ مضت، ويُعتبر بعضها أشبه بأدوات ومنتجات الرفاهية. وتحظى الحِرف اليدوية باهتمامٍ ورعايةٍ من قبل منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونيسكو" والتي عَرّفتها ب: "منتجات ينتجها الحِرفيون إما يدوياً بالكامل أو بمساعدة الأدوات أو حتى الوسائل الميكانيكية، شريطة أن يظل العنصر الأبرز في المنتج النهائي هو المساهمة اليدوية المباشرة للحرفيين". وكانت "اليونيسكو" قد أدرجت حِرفتا حياكة السدو عام 2020م، وقبلها القَط العسيري عام2017م ضمن قائمتها للتراث الثقافي غير المادي، فيما تنقسم الحِرف اليدوية في المملكة إلى عشرة مجالات هي: المشغولات النخيلية، والبناء التقليدي، والمشغولات المعدنية، والمشغولات الفخارية، والمشغولات الجلدية، والمشغولات الخشبية، والمشغولات النسيجية، ومشغولات الحلي والمجوهرات، والتجليد والتذهيب، والمشغولات المطرزة، والحرف اليدوية الداعمة. فيما ينقسم قطاع الحِرف اليدوية إلى ثلاث فئات رئيسة هي: "الحِرف المعاصرة" وتتضمن القطع الفنية يدوية الصنع والتي لا تحمل أي أهمية تقليدية أو تراثية مثل: النحت والرسم الحديث، وفئة "الحِرف المستوحاة من التراث" وتشمل المنتجات الحديثة التي تستخدم شكلاً من الأشكال التقليدية مثل: المطبوعات التقليدية أو التطريز، وأخيراً فئة "الحرف التقليدية" وهي تلك المصنوعة باليد أو بواسطة الأدوات اليدوية.