أكثر خمسين شخصية متابعة على السوشال ميديا لا تضم عالماً ولا طبيباً ولا محامياً، ولا حتى أستاذاً في الأدب، وهؤلاء هم السبب الأساسي في انتشار الكذب والضلالات، وبصورة أسرع من الأخبار الصادقة بست مرات، بحسب دراسة لمعهد ماساتشوستس للتقنية (إم آي تي) في 2020.. صناعة المحتوى والمؤثرون على السوشال ميديا، لم تكن موجودة قبل 15 عاماً، والأهم أن هذه المهنة لا توجد قواعد تحكم عملها كغيرها، والمتوفر هو خطوط عامة وتشريعات، وكلها تهتم بضبط تجاوزاتها لا أكثر، والمملكة تعتبر من الدول المستهدفة بالأخبار المغلوطة والمضللة، والتي لا يمكن كشفها، أو التعرف على من يقف ورائها، ممن يدسون السم في الدسم، بدون الدخول في تفاصيلها وخلفياتها، والأخطر إذا جاءت في قوالب ساخرة أو كوميدية، وفيها تناول موارب لموضوعات حساسة، لأنها ستصل لأوساط أوسع، ولفئات لا تهتم بمتابعة الأخبار الجادة، أو ليست لديها خبرة كافية في قراءة ما بين السطور، ومصطلح (الفاكت شيكينغ) أو التحقق من معلومات الإنترنت، لم يصل إلى المنطقة العربية إلا في 2017. منظمة اليونسكو كشفت في دراسة نشرتها بداية ديسمبر الجاري، وشارك فيها 500 مؤثر على السوشال ميديا من 25 دولة، إلى أن 63 %، من بينهم، لا يعرفون الممارسات الأساسية للتحقق من المعلومات، ولا يعودون إلى المصادر الموثوقة للتثبت، وأنهم يعتمدون في تقييم المحتوى على مؤشرات سطحية، كأرقام الإعجابات والمشاركات أو الأصدقاء الثقات، والأصعب أن 66 % من هؤلاء المؤثرين، ينشرون معلومات غير دقيقة لملايين المتابعين، وفي المقابل، سجلت وسائل الإعلام التقليدية تراجعا واضحا، وبالأخص في وظيفتها كمصدر إخباري، وبحسب الدراسة الأممية، فلا يلجأ إليها إلا 37 % من صناع المحتوى المؤثر، وهو أمر يحتاج لمراجعة من قبل القائمين عليها، وبما يعيدها لمكانتها القديمة، أو يعطيها ميزة تنافسية، على المحتوى الإخباري في المنصات الاجتماعية، باعتباره المصدر الأهم للأخبار في هذه الأيام. الأبحاث المتخصصة أظهرت أن الشخص في المتوسط يتكلم بمعدل 16 ألف كلمة في اليوم، ونسبة كبيرة من هذا الكلام تخص أشياء يحبها أو يهتم بها، وهناك 100 مليون حوار يومي يدور بين الناس حول العالم، موضوعه الماركات العالمية وحدها، ويمكن اعتبار المؤثرين بمثابة لوحة إعلانات متحركة، واستنادا إلى جونا بيرغر، أستاذ التسويق في جامعة بنسلفانيا الأميركية، في كتابه (كونتيجس) أو العدوى الفائقة، المنشور عام 2016، فإن تأثير صناع المحتوي يتفوق على الإعلانات العادية بعشرة أضعاف، لأن مصداقيتهم أعلى في نظر الناس، ومن يتابعونهم يشاركونهم نفس الاهتمامات في الغالب، وهم يشكلون عملة اجتماعية قابلة للصرف والتداول بين الأشخاص، وانتشارهم في الأصل بدأ بالموضوعات اللافتة للنظر وغير المعتادة، ما جعلهم مبهرين ولافتين بدورهم. في 2011 قامت المغنية بيكا بلاك، وكانت مغمورة وعمرها 13 عاماً، بوضع أغنية (فرايدي) على منصة يوتيوب، وقد اعتبرها بعض النقاد من الأغاني الأكثر سوءا في التاريخ، إلا أنها ورغم الانتقادات، سجلت 300 مليون مشاهدة في ذات العام، وكانت أعلى نسبة استماع لها في يوم الجمعة، لارتباطها به، وبالتالي كان في حكم المحفز الأول، الذي حدد قيمة الأغنية ورفع مشاهداتها، ولعلها تشبه نسبياً أغنية (هلا بالخميس) في 2018، لصاحبها معن البرغوث والتي حصلت على 20 مليون مشاهدة، وفي 1997، ارتفعت مبيعات شوكولاتة مارس بصورة كبيرة، لمجرد أن الناس كانوا يتكلمون عن نجاح (ناسا) غي الهبوط على كوكب المريخ، والذي يسمونه بالانجليزية (مارس)، وللمعلومية تسمية الشوكولاتة جاءت نسبة إلى مؤسس شركتها فرانكلن مارس، وليس إلى الكوكب الرابع في المجموعة الشمسية، وما سبق دخل ضمن المحفزات، التي قد تفسر إقبال الناس الكبير على بعض الأشياء. التجارب أكدت أن من يمارسون الجري أو الرياضة المجهدة، يقومون، بعد التمارين، بإعادة إرسال المواد ومشاركتها على السوشال ميديا بدون قراءة، وبنسبة 75 %، وهم يتفوقون بما يعادل الضعف بالمقارنة مع من يميلون إلى الجلوس والاسترخاء، استنادا لأرقام مختبر وارتون السلوكي الأميركي، والمجموعة الأولى تسهم بدرجة عالية جدا، في نشر الأخبار المغلوطة والمضللة، وفي السوشال ميديا يتم وضع الرسائل الإعلامية، في قوالب السرد القصصي الشخصي، لتبدو مستقلة في مظهرها الخارجي، ولا يصح السابق دائماً، والثابت أن الأخبار غير الصحيحة، يصنعها مضلل وينشرها جاهل في معظم الأحيان. أكثر خمسين شخصية متابعة على السوشال ميديا، لا تضم عالما ولا طبيبا ولا محاميا، ولا حتى أستاذا في الأدب، وهؤلاء هم السبب الأساسي في انتشار الكذب والضلالات، وبصورة أسرع من الأخبار الصادقة بست مرات، بحسب دراسة لمعهد ماساتشوستس للتقنية (إم آي تي) في 2020، وذكرت شبكة (سي إن إن) الأميركية، أن الأخبار الكاذبة صناعة قائمة بذاتها، وأنها تحضر بشكل واضح في الأزمات والظروف غير المستقرة، وصادق على كلامها اللغويون في جامعة (أوسلوا) النرويجية في 2023، وبالتعاون مع خبراء في الذكاء الاصطناعي، يعملون على تقنيات تتعرف على معايير الأخبار الكاذبة والمزيفة باللغات المختلفة، أو ما يسمونه (فايك سبيك)، ما يعني أن ضبط التضليل والأكاذيب، سيتم بطريقة آلية في المستقبل، وبدون تدخل بشري أو بلاغات إلكترونية، وهو ما أتمناه ويتمناه غيري من الباحثين عن الحقائق.