تشهد صناعة الأدوية في المملكة تحولاً استراتيجياً؛ تحقيقاً لمستهدفات «رؤية 2030»، لتعزيز الاكتفاء الذاتي، وخفض نسب الاستيراد، خاصة وأن سوق الأدوية في المملكة تبلغ قيمته 12.6 مليار دولار في عام 2023، كما تعمل المملكة أن تحقق معدلات نمو تصل إلى 7.6 % سنوياً حتى عام 2030، هادفة أن تكون الأسرع نمواً في هذا القطاع الحيوي بين مجموعة العشرين، مما يجعلها بيئة استثمارية عالمية قوية. يعزز ذلك ما حدث من زيادة في عدد مصانع الأدوية والأجهزة الطبية خلال الأعوام الأخيرة بنسبة 25%، وأصبح عدد مصانع الأجهزة الطبية 150 مصنعًا، كما نمت مصانع الأدوية من 42 إلى 56 مصنعًا، خلال الفترة من 2019 إلى 2023 بقيمة إجمالية تجاوزت 10 مليارات دولار. من هنا تتزايد أهمية المعرض الدوائي العالمي «سي بي إتش أي الشرق الأوسط»، الذي يقام في الرياض، خلال الفترة من 10 إلى 12 ديسمبر 2024م الجاري، الذي تسعى من خلاله وزارة الصحة، تعزيز التعاون الدولي وتبادل الخبرات العالمية؛ لجعل المملكة مركزًا عالميًا في قطاع الأدوية، حيث يمثل المعرض أكبر تجمع دوائي في الشرق الأوسط وأفريقيا، وبوابة للابتكار في صناعة الدواء، كما يجمع معرض(CPHI) الشرق الأوسط قادة الصناعة الدوائية، والمتخصصين في مجال الأدوية، والشركات بمختلف أحجامها. ويمثل المعرض فرصة لتكوين الشراكات الفعالة ومحاكاة الابتكار مع شركات الأدوية الكبرى في المنطقة والشركات المصنعة للأدوية المحلية والموردين العالميين للصناعة الدوائية، كما يعد امتدادًا للدور الريادي للمملكة في المجال الصحي والدوائي على الصعيدين الإقليمي والدولي، وما تبذله من جهود لمواجهة التحديات الكبرى الحالية والمستقبلية في سياق رؤية المملكة 2030 حيث من المتوقع أن تصبح المملكة تجمعًا عالميًا في مجال التقنية الحيوية، في إطار خطة شاملة لتحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج اللقاحات والتصنيع الحيوي وعلم الجينوم، كما تسعى المملكة إلى توطين 40 % من تصنيع الأدوية، وضخ المزيد من الاستثمارات الحكومية، المتمثلة في الحوافز الضريبية والتمويل الميسر، تجعل السعودية وجهة جذابة للمستثمرين المحليين والدوليين ووجهة استثمارية في صناعة الأدوية بفضل موقعها الاستراتيجي الذي يربط بين أوروبا وآسيا وأفريقيا، ما يجعلها مركز عبور رئيسي لوجيستي للأسواق التي تشهد نمواً متسارعاً في منطقة الشرق الأوسط. إن الجهود الحكومية تستمر لتطوير البنية التحتية والرقمية، لتكون ملائمة للتطوير الذي يشهده قطاع التصنيع الدوائي، من خلال تحديث الأنظمة واللوائح التنظيمية لتوفير بيئة استثمارية جاذبة، إضافة إلى ما تمتلكه من عقول وكوادر تمتلك القدرة على الابتكار، حيث يتم استثمار مبالغ ضخمة في الأدوية الحيوية، مثل البيولوجيات والعلاج الجيني. والاعتماد بشكل متزايد على التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة لتحسين اكتشاف الأدوية وإدارة سلاسل الإمداد، لتحسين كفاءة النظام الصحي وتسريع تقديم العلاجات الدقيقة التي تلبي احتياجات المواطنين. ويشهد المعرض توقيع العديد من الاتفاقيات الاستراتيجية، ومذكرات تفاهم في مجالات توطين تصنيع الأدوية، الاستثمار في البحث والتطوير، إضافة إلى التعاون في مجال التقنيات الحيوية، كما سيكون المعرض فرصة لمعالجة التحديات التي تواجه قطاع الأدوية في المنطقة، مثل الاعتماد على الأدوية المستوردة، ونقص القوة العاملة الماهرة في مجالات التصنيع المتقدم والبحث والتطوير، وكذلك سيكون فرصة واقعية لتحقيق تطلعات المملكة في توطين 200 دواء، لتحقيق الأمن الدوائي، ويتقاطع مع الجهود الرامية لوضع خريطة واضحة المعالم لتوطين صناعة الدواء، وقد تمثّل ذلك في تأسيس لجنة صناعة اللقاحات والأدوية الحيوية، التي وسّعت أعمالها، وأضحت مركزًا مهمًا لجذب الاستثمارات النوعية للقطاع، فتزايدت الوتيرة نحو تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030 في قطاع صناعة الأدوية. وسيبقى المعرض واحداً من الخطوات السعودية نحو تضافر الجهود بين الوزارات المعنية، لتكوين مراكز قادرة على تأهيل القوى العاملة، وجذب الاستثمارات الأجنبية؛ لزيادة التصنيع المحلي، في ظل وجود منظومة فاعلة للحفاظ على حقوق الملكية الفكرية، التي كانت في السابق عائقاً أمام الاستثمارات الأجنبية، ومن ثم يستعد العالم لاستقبال الدواء السعودي.