في العلاقات البشرية هناك منابع أو مولدات تؤدي للاضطرابات النفسية بداخل كل من ليس لديه القدرة على التحكم فيها بتوازن يؤدي للطمأنينة بعيداً عن كل إحباط وخذلان ينتج بسبب الاحتكاك بالآخرين والتفاعل معهم، من أهم هذه المولدات من وجهة نظري 3 عناصر مهمة: (المقارنة مع الآخرين / وعدم ضبط المسافة بيننا وبينهم / والمبالغة في التوقعات). حينما ننغمس بمقارنة أنفسنا بالآخرين - سلبياً - فالنتيجة المتوقعة انخفاض في تقدير الذات وبناء عليه تنخفض ثقتنا بأنفسنا وقبل كل ذلك يضعف يقيننا بالخالق عزوجل فلا يكون لدينا الرضا الكافي بأقداره وسننه الكونية، فماذا نتوقع ممن يتابع فلان ويحرص على معرفة تفاصيل تحركات فلان وماذا يفعل وماذا يمتلك.. الخ؟! يتابع محتوى التافهين ومن يستعرضون بأموالهم وحياتهم الخاصة ويعتقد من داخله بأنه قوي لا يتأثر - والحقيقة أن الإنسان عموماً يتأثر مهما كانت قوته والتأثر بلا شك درجات ويختلف من شخص لآخر – فيجتمع بداخله قوة التأثر بالآخرين مع عدم قدرة على إدارة الوقت وتحديد الهدف وفرز من يشاهدهم ويسمع لهم، وهو للأسف يتآكل من الداخل بسبب ذلك وهو لايشعر، فيبدأ بندب حظه العاثر فيصاب بالإحباط، والأدهى والأمر حينما يؤدي هذا الإحباط - بسبب المقارنات – إلى العجز والجمود والتوقف عن العمل والإنجاز وتطوير الذات لأنه يشعر بأن الآخرين أفضل منه وأنه بلا قيمة ولا يستحق العيش في هذه الحياة ؟! ونسي بأن الله قد وزع الأرزاق وأعطى كل إنسان مايستحقه - بسابق علمه وحكمته - فلا نقارن أنفسنا إلا بأنفسنا، نقارن يومنا بأمسنا، ونلتفت لما لدينا من مواهب وقدرات ومهارات لنطورها. وأما في علاقاتنا بالآخرين فإننا حينما نجيد فن إتقان المسافات و(سقفنة العلاقات) كما أسميتها فإننا سنرتاح كثيرا وستطمئن نفوسنا ولن نصاب بالضيق والنكد والخذلان وبكل شعور سلبي يقلقنا، كالصورة الملتقطة تماماً تكون جميلة حينما نشاهدها من مسافة مناسبة، أما حين نقترب منها بشكل كبير أو نكبرها تظهر لنا مشوشة ومزعجة لأعيننا، وأيضاً حينما نبعدها بشكل كبير يتلاشى جمالها الكامن في تفاصيلها، أو كالمسافة بين السيارات حينما تكون مناسبة تكون وقاية وحماية من التصادم، فالقائد الماهر ليس من يقود المسافات الطويلة والوقت الأطول ولكنه الذي يهتم بذوقيات المرور والطريق ويضع المسافة المناسبة بينه وبين المركبات، فهكذا في علاقاتنا حينما نقود مشاعرنا ونتحكم فيها بمهارة وتوازن نمنحها من يستحق ونعرف متى نمسكها، فلا ننفتح مع الاخرين مطلقا ونمنحهم كل مشاعرنا ونفضفض لهم كل مابداخلنا، ولا نمسك ونبالغ في تجنبهم مطلقا بكل جمود وبلا ثقة ولكن نتعامل معهم بحذر ونحمي أنفسنا فنعرف من نفتح له قلوبنا (لا إفراط ولا تفريط) تجنبا للمتاعب والخذلان واستنزاف الطاقات، فعلاقاتنا بالآخرين تجعلنا حينما لا نلتصق بهم لأنمل من بعضنا ولا نكون ثقيلين في زياراتنا وجلساتنا وتجنبنا إظهار عيوبنا، وفي مقابل ذلك لا نبتعد عنهم كثيراً حفظاً للود والاحترام ولكي لا ينسوننا، لأن البشر غير معصومين وبطبيعتهم متقلبين وتتغير أمزجتهم، ولذلك وضع المسافات أمراً لا بد منه، وحتى في العلاقات الزوجية فإن القرب المبالغ فيه والإغراق العاطفي بين الزوجين يضعف العلاقة وربما يميتها. ونظرية (سقفنة العلاقات) هي العنصر الثالث لنحقق من خلالها الاطمئنان النفسي في علاقاتنا إضافة لما سبق، وذلك حينما (لا نبالغ في توقعاتنا) وهذا العنصر المحقق للاطمئنان مرتبط بالعنصر السابق (إتقان المسافات)، فلا نرفع سقف توقعاتنا ونغتر ببعض البشر وطيبتهم المصطنعة من خلال كلماتهم المعسولة وابتساماتهم المزيفة فيستدرجوننا فنتعرى نفسيا أمامهم ونكشف كل أوراقنا في لحظة ضعف، وقد يستخدمون هذا الكشف سلاحا ضدنا، فبعضهم يتلذذ بانكسارنا وضعفنا فيبحث عن زلاتنا بكل مايملك من وسائل بل ربما يضحك علينا في غيابنا بسخرية وشفقة، ولذلك لامانع من التظاهر بالقوة حتى ولو كنا نعاني من دواخلنا، ولابد ان نعرف من يحق له القرب منا ولمن نبوح له بمشاعرنا ونتأكد من ذلك ونتحرى كالزكاة أو الصدقة التي ندفعها للفقراء والمحتاجين نتحرى من يستحقها ومن لا يستحقها، لكي نطمئن ونعيش في هناء وراحة بال بعيدا عن الشقاء والصدمات التي تسببها بعض العلاقات.