تأتي رواية (فراغ مكتظ) للمبدع السعودي إبراهيم الألمعي الصادرة عن دار أدب للنشر والتوزيع في طراز بوليفوني؛ فقد تجلّت فيها وجهات النظر المتعارضة، والتي مهّد إليها من خلال الاستهلال بالعتبة النصية: "في المجادلات الثقافية غالبًا ما يكون كلا الطرفين محقًّا فيما يؤكده، ومخطئًا فيما ينفيه" للفيلسوف البريطاني جون ستيوارت ميل؛ حيث لمّح إلى الفكرة التي ستدور حولها الأحداث، والتي افتتحها بصوت الراوي العليم الذي يصف لنا الشقة التي يلتقي فيها علّام ورفاقه بمن فيهم الإعلامي هزّاع؛ تجمعهم التسلية والترفيه؛ وعند الحديث عن الشيخ نبهان، والسخرية من تصرفاته انبثقت في الأفق فكرة تبناها هزاع وهي استضافتهما في مناظرة في برنامجه التلفزيوني؛ ليجذب بهما جمهورًا واسعًا متشوقًا لمشاهدة الصراع القائم بين التيارين المتناقضين، والأيديولوجيتين المتضادتين: التيار الإسلامي المتشدد، والتيار الليبرالي المنفتح. وتمضي الرواية في تصوير استعداد كل شخصية على حدة في جمع حججها وبراهينها؛ لسحق الآخر، وفي أثناء ذلك تظهر الأصوات المختلفة بحرفية عالية، وسلاسة في التنقل عبر الفصول المعنونة بالأيام والتواريخ. هذا التعدد الصوتي في السرد يكشف لنا وجهة نظر كل طرف، وتناقضاته، وغاياته الدفينة، فالشيخ نبهان يستتر بالدين ويأخذه كوسيلة؛ لتحقيق مصالحه الشخصية من سلطة، ومال، وأهواء، ورغبات ص 74:".. ولكن الأيام دول يا علّام فها أنا ملء السمع والبصر في كل مناسبة، وفي كل محفل، وعلى كل منبر..." ولا يختلف عنه الدكتور علام الذي له غاياته أيضًا؛ حيث اتخذ من التيار الليبرالي طريقًا لأغراضه، ص 91: "تخبرينني يا مريم بما أعرفه تمامًا؛ فما أحببتُ يومًا من الأيام سوى نفسي..." حتى الإعلامي هزاع الذي يُفترض أن يتسم بالموضوعية، والبحث عن الحقيقة يسلك مسلك الانتهازية؛ لاستغلال الآخرين؛ للوصول إلى مآربه التي منها الحصول على فرصة عمل أفضل في قناة أخرى، ص 41: "لا بأس أن أحقق مكسبًا مهنيًّا على حساب علّام هذه المرة... فأنا المستفيد من النتائج مهما كانت مؤلمة لهما...". كل ذلك في جو محموم بالحوارات، والجدالات المتخمة بالانفعالات الشعورية، وبالرغم من التباين الظاهر إلا أن الجميع التقوا في بؤرة الفساد الأخلاقي. وفي خضم ذلك تظهر شخصية محسن الخلف الطالب في قسم التاريخ؛ والذي يحاول أن يتلمس طريق الصواب والحق بعيدًا عن الوحل المحيط به، وكأنه بصيص الأمل للمجتمع في المستقبل، ص 147: "الحرية تمنحك القدرة على اتباع شرع الله وفق فهمك وقناعتك أنت؛ لا وفق قناعات الآخرين...". إن الكاتب استطاع بكل مهارة توظيف تعدد الأصوات، أو التبئير، أو الرؤية من زوايا مختلفة؛ لإعطاء مساحة حرة لكل شخصية؛ للتعبير عما ترمز إليه بموضوعية بعيدًا عن هيمنة السارد، وما يترتب عليه من ديكتاتورية، وتحيزات بأحكام مسبقة تُملى على القارئ. وتأتي النهاية المدهشة المفتوحة التي ختمت الرواية بكلمة "بدأت" لتؤكد على هذا الموقف الحيادي في السرد، وإن ظهر بعض من التلميحات إلى النهاية في الفصل ما قبل الأخير بعنوان "الأحد 9 يوليو 2006". * كاتبة وباحثة وفاء عمر بن صديق *