في هذه الرواية الثانية للكات، يضعنا الصقعبي على عالم يتناسج فيه الواقعي مع صنعة السرد، فيمتزج السيري، والتاريخي، ومدونة اليوميات، والاختيار من المعلومات والنصوص في نسيج الفعل السردي؛ فيغدو كل ذلك في البنية الكلية للعمل صانعا وجوده، ومنبتا، وباثا لحركته الذهنية، على نحو منساب، ومحققا لتناغم منسجم ما بين هذه المستضافات ، التي لم تعد تشير إلى مصادرها بقدر ما تشعر بحركتها وفق بناء السرد وحركته ؛ فعلى الرغم من حالة الإيهام التي تحدثها فكرة الشبيه ، ومتابعة تلك الفكرة ، في قصر صاحب السعادة ، وفي المطار ، وفي كوبنهاجن فإنك تجد إشارات إلى سيرة ذاتية ، وعلى الرغم من قراءة لمدونات شخصية ، إلا إن هدف البحث عن الشبيه جعل لها انسجامها مع بنية النص ، والمعلومات المجلوبة عن التقنية ، وعن تاريخ من هنا وهناك لها وجودها البنائي في إطار خدمة التقرير المطالب به موظف الشركة (السارد)، وفي إطار الاهتمامات الشخصية التي يتكشف عنها السرد . لم يكن وهم الشبيه ومتابعته حيلة سردية فحسب، بل نجد لذلك رؤيته وعمقه في مسار السرد ، لنقرأ هذا التداعي في مطلع الرواية : أنا الجالس على مقعد وثير . . وأنت بجسدك النحيل تقدم كأس الماء لي . . «تفضل سيدي» . .أهو صوتك . .أم صوتي يخرج من فم. . اجلس أيها " الأنا "..كم احتاج إلى مرآة لتراني وأراك .. لتصدق أنني أنا أنت .. وأنت أنا . . فنجد السرد يضعنا في أجواء التأمل في العلاقة بين الأنا والآخر ، وأن الآخر وإن اختلف شخصه ، وتباينت عن الذات أفعاله ،وجه آخر من الذات ، تنعكس عليه همومه ، وأشواقه ، وأمانيه . .؛ ولذلك كان الآخر مرآة للذات ، وكان ما ورد في الحديث الشريف عنه صلى الله عليه وسلم " المؤمن مرآة أخيه " يؤكد هذا المعنى ، ولم تكن سلوكيات فيصل ومنصور وخميس.. سوى سلوك ممكن لأي منهم ، ولذلك اعتمد السرد أن يخلق الشبه بينهم ، وأن يجعل من كل شخصية مرآة للأخرى ؛ فالآخر وإن اختلف ، وإن راود ما لا نستحسن ونألف ، فهو وجه منا علينا مسؤولية تجاهه .. وهذا ما التقطه السرد في تأملاته، ف "موزة " إحدى شخصيات السرد ، تحكي في رسالة للسارد عن الشبيه " فيصل " : أعود إلى فيصل .. صدقني إنه إنسان طيب ولكنه يبحث عن نزوة ..كنت أتمنى لو كان مثلك يهتم بالأدب والمسرح والسينما ، ولكن للأسف يزعجني جدا إدمانه الشراب وبحثه عن المتعة وتعلقه بأية امرأة جميلة ومحاولة اصطيادها ...ص109 فهذا الحديث المقارن بين الشخصيتين يستحضر روابط التداعي التي تجعل السارد يبحث عن شبيهه ، ويجعل ذلك في إطار استحضار يتلذذ به السارد ، ويشعر من يتحدث به بذلك الاهتمام به ، فيحاول أن يسهب ، ويصدق ، ويعتذر عما يظهر من خلاف بين الشخصيتين ، فكأننا أمام قراءة الغائب في الشخصية عبر مثالها وشبيهها . فكأننا حين نطالع سلوكيات لا نتفق معها ، تخالف سلوكياتنا .. كأننا نطالع ذواتنا ، ونقرأ الوجه الآخر لصورنا ،فنحن في اختلافنا نحن قبل اختلافنا ، ونحن بعد أن اختلفنا في الممكن من صيرورتنا.. ولذلك كان السارد يقرأ بشغف ليكتشف ذاته من خلال البحث عن شبيهه ، ويسعى بلهفة لرؤية مسار مختلف لشخصيته في شبيهه ، ولذلك كان حضور الشبيه طاغيا ، حاضرا فوق كل متعة ، وفرح بالأصدقاء ، أو اجتماع العائلة ، أو إنجاز عمله ، أو نشوته بالإنجاز .. لقد كان البحث عن الشبيه في السرد ذا ملمح فلسفي وتأملي ، كسر السارد وإن شئت ( الباحث ) بما يتراءى له من ظلين " عن الشبيه أو عن الرؤيا " نمطيتها في الوجهين ، فأحال السرد إلى تتبع للرؤيا ، وأحال الرؤيا إلى سرد يتتبع مساره في البحث عن الشبيه . وقد استثمر السارد حوار الشبه ورؤياه ، ليكشف بمرآته نمطية أخرى مماثلة للصورة النمطية عن العرب ، وأقام حوارا حول الصورة النمطية للشعوب الانجلو سكسونية عن الاسكندنافيين ، ليقول بعد ذلك : " إذا هذه الصورة النمطية التي أخذت عنهم كما يحدث لنا نحن العرب " ، واستمر السارد في استرجاع تاريخي عن ( الفايكينغ ) ص55،56 وكما أتاح البحث عن الشبيه البحث في تقلبات ومسارات للشخصيات متعددة ، ومتضادة .. أتاح أيضا الكشف عن أجواء وسياقات بالأبعاد ذاتها ، دون أن يضطر السارد إلى اختلاق تبدلات في الشخصيات أو تحولات في السياقات ، فكشف عن التباين بين معرض في ( كوبنهاغن )، ومعرض من الممكن أن يقام في الرياض ، ولقاء مع أسرة في جدة ، و مكان آخر من المملكة ؛ فقد وضعنا السارد في أجواء شعوره بالفرح في جلوسه في اجتماع عائلي مع بسام في جدة " لقاء جدة لم يدم أكثر من ساعة ولكن أشعر أنه فجر في داخلي كل طاقات الإبداع ، إنها سطوة الأنثى ، هي المحرض الأول للإبداع .. " ص147 ، وكانت الأنثى هاجسا في الرواية للسارد يرى فيه الخصب والعبق الخاص ،ويجد في أجوائه انفكاكا من الجدب الذي يحيل إلى الصحراء ، فبعد حديثه بانتشاء عن لقائه مع الأديبة اللبنانية ،وما توحي به لبنان من الماء والخضرة والوجه الحسن الذي يتجسد فيها نجده يشير إلى الركض والحرية وكسر الطوق " أنت مجدب حقا أيها الأعزب المتشبث بحالة من الرغبة في كسر طوق يحيط بعنقك ويمنعك من الركض بحرية "ص69 وأحدث السارد في الرواية سياقا لأن تظهر خواطر ومدونات سابقة أو لاحقة أثناء كتابة السرد في الرواية ، تتأمل الذات ، والكتابة .. لكنها جاءت في إطار مدونات منسية من الشبيه يقرؤها السارد بين آن وآخر ليتعرف أكثر عليه وعلى ملابسات الشبه ، وكان منها هذه الفقرة التي تشي بتأمل عنوان الرواية ، وبالشعور بحالة الشبه ، وتأمل حالة الدخول في النص : ( " الحالة " هي الخروج من الواقع المعاش إلى واقع آخر.. قد يكون جميلا أو قبيحا .. إنه أشبه بالحلم .. ...... لا أرغب أن أتحدث كثيرا عن الحالة . . لأن من الصعوبة وصفها .. لأن كل حالة لا تشابه الحالة الأخرى .) ص92 وكانت الرواية مجالا لاستضافة نصوص عديدة من الشعر والنثر والمعلومات صهرت في بنية النص ، وأصبحت في حركته .