جاءت ميزانية عام 2025 التي تقدر مصروفاتها ب(1285) مليار ريال لتؤكد السياسة المالية التوسعية للمملكة، والاستمرار في النمو الاقتصادي وتسريع وتيرته، باعتبار ذلك الوسيلة الأفضل لاستدامة التنمية الشاملة وتطوير هيكلة الاقتصاد الوطني وتحسين قدراته التنافسية، والاستمرار في تعزيز البيئة الاستثمارية الجاذبة في كل المجالات، وستلعب دوراً كبيراً في مواجهة التحديات الاقتصادية بكفاءة عالية وتقديم الخدمات التعليمية والصحية للمواطنين، وخلق الكثير من فرص العمل. وقد كان محور ميزانية 2025م هو الاستثمار في المواطن الذي هو أساس مستقبل المملكة، لذلك ركزت الميزانية على الإنفاق على التعليم الذي له دور أساسي في بناء الإنسان العالم والمفكر والسياسي والاقتصادي والصناعي، فالتعليم -الذي رصدت حكومتنا الرشيدة له 201 مليار ريال- يعد أحد العناصر الأساسية للتنمية الشاملة، حيث لا تستطيع أي دولة تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة من دون أن تقوم بالاستثمار المستدام في التنمية البشرية، وأكدت رؤية 2030م على أهمية التعليم المبكر في بناء مجتمع حيوي ومزدهر، وبناء أساس قوي وواسع لمفهوم جودة التعليم. وكمثال على أهمية التعليم نجد أن سنغافورة استطاعت أن تحتل مكانة مرموقة بين الدول بعدما كانت تعاني من مشكلات كثيرة كالبطالة والفساد والركود الاقتصادي، وتمكنت من تطوير شغف التعلم لمساعدة الطلاب على اكتشاف مواهبهم وجعلهم متفوقين، من خلال التركيز على نمو الفرد النفسي والاجتماعي، والاعتماد على الأساليب المهنية النوعية والماهرة التي تهتم بجودة التعليم لا كميته. وفي كوريا الجنوبية نجد اهتماماً كبيراً بالتعليم الثانوي المهني الذي يعد عصب الحياة الاقتصادية؛ لأنه يغذي السوق الإنتاجي باليد العاملة المدربة، كذلك لا يمكن إغفال أهمية برنامج الابتعاث للطلبة والخريجين لما له من تأثير كبير على مدارك المبتعثين العقلية والشخصية؛ حيث يحظى المبتعثون بالعلوم الوفيرة حسب تخصصاتهم، ويدركون أهمية العلم لتقدم وطنهم، وهنا نلاحظ تجربة تايوان التي استطاعت أن توظف المبتعثين للنهوض بالصناعة التايوانية؛ ففي العام 1976 أرسلت تايوان الكثير من المبتعثين إلى أميركا للتعلم خصوصاً في مجال الصناعة وتكنولوجيا الدوائر المتكاملة، وتميزت في قطاع صناعة الرقائق وأشباه الموصلات. ولا شك إذا تمكنا من بناء الإنسان علمياً وفكرياً فإنه قادر على قيادة مجتمعه صناعياً واقتصادياً، فالعلاقة طردية بين التعليم والتطور الصناعي؛ فالتعليم هو الوسيط في إنجاح الاستراتيجيات الوطنية للصناعة، من خلال تخريج كفاءات بشرية مؤهلة وقادرة على نقل الطموحات في مجال الصناعة إلى أرض الواقع، وفي ميزانية المملكة عام 2025م تم تخصيص 139 مليار ريال للموارد الاقتصادية والتجهيزات الأساسية والنقل، والتأكيد على تطوير القطاع الصناعي من خلال تنويع القاعدة الصناعية عبر «الاستراتيجية الوطنية للصناعة»، الهادفة إلى إنشاء مركز إقليمي صناعي متكامل، وزيادة الاستثمار في البنية التحتية الصناعية، وتوفير الدعم المالي للشركات الصناعية، وجذب الاستثمارات الأجنبية، للوصول بالناتج المحلي الصناعي إلى 895 مليار ريال في عام 2030م؛ ومضاعفة قيمة الصادرات الصناعية لتصل إلى 557 مليار ريال في 2030م بحسب بيان الميزانية، ويصبح مساهماً رئيساً في تنمية الصادرات غير النفطية. فالقطاع الصناعي له أهمية كبيرة في نهضة الدول وتقدمها واعتمادها على نفسها، وهو عامل رئيس في استقرار اقتصاد أي دولة وحمايته من التقلبات المختلفة التي قد يتعرض لها لأسباب عديدة، والتقدم الصناعي يسهم في ترسيخ الاستقلال الاقتصادي وحتى السياسي من خلال القدرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي، ويمكننا بناء نهضة صناعية متطورة من خلال تنمية المهارات الأساسية والمعارف لدى الشباب، ودعم ثقافة الابتكار وريادة الأعمال، ورفع مستوى أداء التعليم والتدريب في المملكة خاصة التعليم التقني والمهني مما سيرفد سوق العمل بكفاءات مهنية عالية تحمل فكراً صناعياً، وكذلك رعاية الموهوبين رعاية خاصة، وإنشاء المعاهد التدريبية المتخصصة بالأمور الصناعية، وبخاصة تلك التي تركز على الصناعات التقنية الدقيقة، التي ترتبط بأغلب الصناعات التكنولوجية مثل الحواسيب والطائرات والسيارات والذكاء الاصطناعي وغيرها. وهنا أود التذكير بما تم طرحه في مقال سابق لي في جريدة الرياض تحت عنوان "التعليم وتطور الصناعة" في 23 يناير 2024م عن أهمية البحث والتطوير من خلال ربط الجامعات مع الشركات المحلية والدولية، مما يساعدها على الارتقاء بأدائها؛ فالجامعة أهم منابع العلوم ومصادر المعرفة، فهي مؤسسة تعليمية وإنتاجية واستثمارية، تنتج المعرفة بالبحث العلمي، وتطبقها من خلال خدمة المجتمع، فجامعة كاليفورنيا تعد مثالاً مهماً على تعزيز الشراكة البحثية مع الشركات في وادي السيليكون، حيث يقوم معهد تكنولوجيا المعلومات بإجراء أبحاث تعاونية في كثير من المجالات الصناعية المتعلقة بالإنترنت ونظم الكمبيوتر وتقنيات الاتصال، وبالتالي تسجيل العديد من الابتكارات والاختراعات، وتجدر الإشارة إلى برنامج مسار "واعد" الذي يعد من أهم مسارات برنامج الابتعاث الخارجي وأحدثها، وهدفه تحقيق أهداف رؤية 2030 عبر إعادة تأهيل طلاب وطالبات المملكة، وتطوير دراستهم، وتعزيز قدراتهم، وتدريبهم في المجالات والقطاعات الواعدة، وإعدادهم لقيادة المشروعات الكبرى. أخيراً، أتقدم بالشكر والتقدير للقيادة الرشيدة -حفظها الله- على ما توليه لقطاعي التعليم والصناعة من رعاية واهتمام، وجعلهما محور رؤية 2030م، وسعيها لجعل المملكة دولة صناعية رائدة على مستوى العالم، وأتقدم إلى مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- بخالص التهاني والتبريكات بمناسبة إعلان الميزانية العامة للعام 2025م، التي تؤكد حرص القيادة الحكيمة على مواصلة رحلة البناء والتطوير حتى نرى مملكتنا في طليعة دول العالم. سعد بن إبراهيم المعجل