أحد الابتكارات المثيرة في عصر الذكاء الاصطناعي هي تقنية التزييف العميق (Deepfake)، فهي أداة إبداعية ومن أكثر الابتكارات إثارة للإعجاب والقلق في آنٍ واحد، حيث تُستخدم بغرض إنتاج محتوى بصري أو صوتي مزيف بدقة مذهلة يصعب التمييز بينه وبين الحقيقي. تُبنى هذه التقنية على خوارزميات الذكاء الاصطناعي المعروفة بإسم الشبكات التوليدية التنافسية (GANs) التي ابتكرها "إيان جودفيلو" لتوليد أصوات وصور مزيفة جديدة من قاعدة بيانات لأصوات وصور حقيقية، وتتكون بنيتها من شبكتين عصبيتين إحداهما تولد بيانات جديدة (مزيفة للحقيقة) وتحاول الأخرى التنبؤ (التقييم) بما إذا كانت هذه البيانات الجديدة مطابقة للحقيقية، وذلك لضمان تقديم مستوى عالٍ من الإتقان. رغم الاستخدامات الإبداعية للتزييف العميق، مثل صناعة المؤثرات البصرية في الأفلام أو إعادة إنشاء شخصيات تاريخية وفنانين راحلين، أو استخدامها ايضا في التعليم والتدريب عبر محاكاة تفاعلية تُظهر علماء يتحدثون إلى الطلاب، إلا أن الجانب المظلم لهذه التقنية لا يمكن إغفاله، حيث ترتبط غالبًا بالمخاطر والتحديات الأخلاقية نظرا لتعلقها بالخصوصية، الأمن، والمصداقية، فهي أداة قد تُستغل في التضليل الإعلامي عبر إنتاج مقاطع مزيفة تهدف إلى خداع الجمهور، كما قد تُستخدم أحيانًا بشكل غير أخلاقي في انتحال أصوات وهيئات المشاهير للترويج لمنتجات دون موافقتهم، أو حتى في التنمر الإلكتروني بإظهار أفراد في مواقف محرجة أو مُخلة بالآداب بغرض استخدامها في الابتزاز أو التشهير، وبذلك فهي تهدد مصداقية المحتوى الرقمي كونها تُصعب على الأفراد والمنظمات التمييز بين الحقيقة والتزييف. وفي مجال التسويق بإمكانها أيضا فتح آفاق جديدة يجعلها أداة واعدة تحمل فوائد وإمكانيات إبداعية في المستقبل القريب، ولكن تتطلب استخدامًا مسؤولًا لتجنب التداعيات السلبية، حيث بالامكان الاستفادة من التزييف العميق في إنشاء محتوى شخصي مخصص يستهدف الجمهور الفردي باستخدام بياناته الشخصية بطريقة تبدو طبيعية تمامًا، على سبيل المثال قد يشاهد المستهلك إعلانًا يظهر فيه شخصية مشهورة (بعد موافقتها بالطبع) تتحدث إليه مباشرة باسمه وبلغته وحتى بلهجته، كما يمكن استخدام هؤلاء المشاهير ايضا في القيام بأدوار صعبة بهلوانية في الاعلانات مما يضفي عليها لمسة فريدة من الإبداع، وهذا بالتأكيد له كذلك دور كبير في تخفيض تكلفة الاعلان بحيث يمكن إنشاء مشاهد أو محتوى جديد دون الحاجة إلى القيام بتصوير حقيقي. وينبغي عند استخدام هذه التقنية أن يكون هناك شفافية توضح أن المحتوى المقدم يعتمد على تقنية التزييف العميق، وذلك لتجنب خداع الجمهور ولتعزيز الثقة، بالاضافة الى الحصول على الموافقات القانونية من الأفراد أو الشخصيات المستخدمة في المحتوى، والتأكد من حماية بيانات العملاء واستخدامها بطرق تتفق مع القوانين والمعايير الأخلاقية، بحيث يتم استخدام هذه التقنية لتعزيز الإبداع وتقديم قيمة مضافة للجمهور بدلاً من استغلالها لتحقيق مكاسب سيئه. تقنية التزييف العميق تمثل سلاحًا ذو حدين؛ فهي ثورة في عالم التسويق كونها تجمع بين الابتكار والإبداع من جهة، أيضا المخاطر والتهديدات من جهة أخرى، حيث بإمكانها توفير أدوات قوية للتواصل مع الجمهور بطرق مبتكرة وشخصية ولكن مع ضرورة التزام بإطار المسؤولية والشفافية والقيم الأخلاقية، وإن إساءة استخدامها قد تؤدي إلى عواقب وخيمة على المجتمع. لذلك ينبغي الانتباة من استخدام مثل هذه التقنية لتحقيق مكاسب غير مشروعة، وبالتأكيد عدم تصديق كل ما يتم مشاهدته أو سماعه على الإنترنت، فالحذر يبقى دائماً مطلوبًا.