يذهب بعض المفكرين والمتقدمين إلى الفصل بين الروح والنفس. ويمكن إيجاد الأصل القرآني لهذا التفريق باختيار التوجه نحو الفصل الاعتباريّ، لا الذاتيّ؛ إذ ترد كلمة «الروح» في القرآن الكريم مفردة بلا جمع، مجرّدة ومزيدة، معرفة لا نكرة، وقد جاءت -تقريباً- في أربعة وعشرين موضعاً في القرآن الكريم، وأقلّها المزيد في ستة مواضع، وأمّا مواضع التجريد الثمانية عشر، ف «رَوْح» أي الفرج، وما يسرّ عامة. و»رُوح» في خمسة عشر موضعاً دلت على: جبرائيل عليه السلام معرّفة بالإضافة (روح القدس، روح منه)، ومعرّفة بأل (الروح الأمين، الروح). ونسب العِلم بحقيقة الروح إلى الحق سبحانه وتعالى «قل الروح من أمر ربي» [الإسراء: 17]. ومن الدلالات السابقة لكلمة رُوح في القرآن، نلحظ أنها كلها مفردة ومعرّفة، وهي نفخة ربانية، أو تنسب إلى: الحق سبحانه، الوحي، جبرائيل عليه السلام، عيسى عليه السلام. وكأنها كلها قادمة من عالم أعلى من عالمنا، بسمات: النفخ، التأييد، الإلقاء، الإنزال، العروج، القيام في الآخرة. أمّا «النفس» فقد جاءت في القرآن الكريم بالإفراد والجمع، ومجرّدة ومزيدة، ونكرة ومعرفة، في خمسة وتسعين ومئتي موضع. ويمكن تصنيف المعاني الجامعة لهذه المواضع إلى: اقتران النفس بالعجز في حال الشفاعة والحساب والتبكيت والعذاب في الآخرة، وفي أول الخلق الإنسانيّ ظهرت وحدة النفس الإنسانية، التي خلق الله سبحانه ذرية آدم منها، أمّا في الدنيا فالحفظ بالملائكة «إن كل نفس لما عليها حافظ»، والتكليف بالوسع، وحدود القدرة الإنسانية وضعفها، ك: ضعفها عن النصرة، وعن القيام على الآخرين، والحث على العدل والعمل الصالح. وجاءت في مواضع قليلة محلّ مدح، وجاءت في مواضع كثيرة مذمومة مرتبطة بالهوى وأمر الناس بالبرّ وعمل خلافه، والقتل، والنفي، والخيانة، العصيان... وغيرها. وقد ارتبط ورود النفس ب «الموت» أو «الوفاة»، في حين لم ترتبط الروح إلا ب «النفخ». ويمكن النظر لأصل الوصل ثم الخلوص منه إلى محلّ النظر وهو التفريق، فالوصل بين الروح والنفس لفظياً؛ بتسمية النفس روحاً، من باب تسمية الكل (الروح) ببعضه (النفس)، لا من باب الترادف التام، فهي دالة على «أسماء مترادفة للذات متباينة في الصفات». وعليه، يجوز إبراز سمات عامّة تجمع بين النفس والروح، في: النسبة إلى الحق، والأصل الإنسانيّ الواحد، والباطن الإنسانيّ، والصفات الخُلقيّة الروحية مع محمود الصفات النفسية فقط، وتفترق النفس بالمذموم منها؛ ومن السمة الأخيرة يتفرّع توجه من فرّق بين النفس والروح بجامع الصفات الخُلقيّة بين محمود ومذموم؛ إذ ارتبطت «الروح» في الاستعمال القرآنيّ بالعالم النورانيّ النقيّ، في حين ارتبطت معاني النفس عامة بالإنسان في جميع أحواله من الاطمئنان حتى الإساءة، إن من ناحية فردية أو جماعية، ومن مداخل الوسوسة الذاتية أو الخارجية؛ من الشياطين أو الناس. ويمكن رؤية الجانب الخُلقي في الفكر الإسلامي؛ إذ يفرق أهل التزكية بين «الروح» و»النفس» بعدة معايير، من أهمها «المعيار الخُلقي»، فيلحقون ب»الروح» الأفعال الحميدة، ويلحقون ب»النفس» الصفات الذميمة. وهو تفريق اصطلاحي وقد يجد وجاهته في الاستعمال القرآنيّ، لكن قد تضعف هذه الوجاهة عند إدخال الاستعمال النبويّ لهذه الألفاظ، إذ قد توصف «الروح» بالصفات الحسنة والصفات القبيحة، لقوله صلى الله عليه وسلم «اخرجي أيتها الروح الطيبة» و»اخرجي أيتها الروح الخبيثة». وقد ردّ ابن تيمية هذه التفرقة بين الروح والنفس من جهة التفريق بين ذاتين قائمتين، كل واحدة منهما غير الأخرى، لكنه أقرّ باختلاف الصفات بالغلبة، لا بالفصل التام بين صفات الروح والنفس؛ لما يترتب على التفرقة بين ذاتين «نفس» و»روح» من مخالفة الأوصاف المتداخلة في القرآن والسنة النبوية خاصة، ولما يُفهم من كلامه من وحدة الباطن الإنساني، ولكن أخلاق هذا الباطن قد توصف بالحسن غالباً؛ فتلحق بالروح، والقبح غالباً؛ فتلحق بالنفس المقيّدة بأوصاف الذم؛ كالأمارة بالسوء، أو الخبيثة.