سئل د. محمد الطويل مدير عام معهد الإدارة سابقاً عن مركزيته فقال: لا أعرف إذا كنت مركزياً أم لا، لكنك لو زرتني في مكتبي فلن تجد أوراقاً مكدسة على مكتبي، أما إذا كانت المركزية هي متابعة اداء الآخرين بالمسؤوليات المسندة اليهم فهذه ضرورة للتأكد من قيام كل مسؤول باعماله بالشكل المطلوب. هذه الاجابة تستدعي طرح بعض التساؤلات حول معنى المركزية، وهل عدم تكدس الأوراق على مكتب المدير يعني أنه غير مركزي؟ وهل الاشراف المباشر هو امتداد للمركزية او نمط من أنماطها؟ وما هو دور الادارة المتوسطة في هذا الجانب الاشرافي؟ بعض المديرين تصل به المركزية إلى حد التدخل في اختيار قائمة الطعام في حالة وجود زوار، ويتدخل في أسماء المدعوين في حالة وجود مناسبات. في القاموس الاداري تعرف المركزية في قطاع الاعمال بانها حصر المراكز الرئيسية والمسؤولية عن الوطائف والخدمات الإقليمية في مقر الشركة الرئيسي. في الادارة الحكومية هناك قرارات ذات مستويات مختلفة منها قرارات التوظيف، والترقية، وتشكيل اللجان، والتكليف بالعمل الاضافي، والانتداب وغيرها، فإذا كانت كل تلك القرارات لا يبت فيها الا رئيس الجهاز فهذا يعني أنه مركزي. أما اذا كان هو المسؤول عن القرارات الاستراتيجية، وترقيات القياديين، واعتماد الخطط العامة فهذا يعني أنه غير مركزي، ولكنه بالتأكيد لن يتخلى عن المتابعة، والمتابعة لا تعني المركزية. وإذا أردنا ان نسلط مزيداً من الضوء على مصطلح المركزية فإن موضوع تفويض الصلاحيات سوف يأتي في المقدمة ومن المتعارف عليه أن من يفوض الصلاحيات هو مدير لامركزي ومن يفعل العكس فهو مدير مركزي. وإذا نظرنا في محيطنا الإداري فسوف نجد أن طول الاجراءات. وتأخير الانجاز يرجعان في المقام الأول إلى تجميع الصلاحيات لدى شخص واحد، اما بقية الموظفين والمديرين فهم جسر لعبور المعاملة والتأشير عليها فقط. إن التفوبض في الادب الاداري هو تحويل أو نقل الصلاحية في مجالات محددة إلى المرؤوسين، والمدير المفوض هو المدير الذي يثق بالمرؤوسين ويتوقع منهم التميز في الأداء، ويرغب في التفرغ للقضايا الكبيرة والمسؤوليات التي هي في اطار اختصاصه ومهام منصبه. المدير المفوض يدرك أن تحسين الاداء لا يتحقق الا من خلال الرضا الوظيفي، والرضا الوظيفي لا يتحقق الا بالمسؤوليات والثقة واستثمار القدرات البشرية. المدير قد يوزع المهام، ويرسل المعاملات دون تأخير إلى الادارات المختلفة ولكنه يحتفظ بالقرار النهائي لنفسه وكل ما يطلبه من المرؤوسين هو الدراسة، أو ابداء الرأي، أو يطلبهم للتفاهم وعليهم قراءة ما يريد أن ينفذ من تعليمات ولا ينبغي لمدير الإدارة سوى تنفيذ تلك التعليمات وعدم الخروج عنها حتى لو وجدت ظروف طارئة تستدعى اتخاذ قرار عاجل فإنه يضطر للاتصال برئيسه ولو في منزله بعد منتصف الليل ليتزود بتوجيهاته! فهل هناك كلمة أو مصطلح غير (المركزية) لوصف هذه الموقف؟ من المعروف أن تفويض الصلاحيات لا يعني اعفاء المسؤول المفوض من مسؤولياته، وقد يكون هذا هو أحد أسباب عزوف كثير من المديرين عن تفويض الصلاحيات، وهذه يعيدنا إلى موضوع الثقة ومعايير اختيار المسؤولين وطبيعة المسؤوليات المراد تفويضها. إن عملية التفويض لها تفاصيلها وشروطها وهناك مهام يجب تفويضها ومهام يمكن تفويضها واخرى يجب على المدير الاحتفاظ بها، وهذه التفاصيل موجودة في الأدب الاداري، ولكن هل يجد المدير المركزي وقتاً للقراءة. [email protected]