في حياتنا اليومية تواجهنا الكثير من المشكلات، قليل منها تخلقها مواقف لا دخل لنا فيها، وكثير نحن الذين خلقناها بأنفسنا ولأنفسنا. تخلقها معتقداتنا غير الرشيدة وتصرفاتنا غير المحسوبة. هذا الافتراض ينطبق بقوة على توجهات وسلوكيات المديرين في مؤسساتنا. فكثير من المشكلات التي تواجههم وتواجه مؤسساتهم ناتجة عن معتقدات إدارية خاطئة تتحول إلى توجهات وسلوكيات تؤثر سلباً على أداء المؤسسات ومخرجاتها. من بين هذه المعتقدات اعتقاد المدير بأن نجاحه مرتبط بتركيز السلطات في يديه وفي ساحة مكتبه، هو المسؤول عن التخطيط وهو المسؤول عن التنظيم وهو المسؤول عن التوجيه وهو المسؤول عن الرقابة وهو المسؤول عن اتخاذ القرارات، سلطات ومسؤوليات ضخمة تتجمع في أيدي المدير ثم يشكو بعد ذلك من الضغوط ومن ضيق الوقت ومن التأخير في إتمام العمل ومن انخفاض حجم الإنجازات،..الخ. لقد أثبتت الدراسات أن متوسط ما ينفقه المديرون من أوقاتهم في أداء مهام يمكن أن يقوم بها موظفوهم يصل إلى 45% من جملة أوقاتهم. كما أن هناك قاعدة تقول: إن المدير يجب أن يفوض أداء مهمة معينة لشخص آخر إذا كان بمقدور هذا الشخص أن ينجز المهمة بطريقة مشابهة لطريقة المدير بنسبة 80%. وهذا التصور لم ينتج من فراغ ولكن يرتكز على مجموعة من المنافع عظيمة الشأن التي تتحقق نتيجة لتثبيت ونشر ثقافة التفويض في المؤسسة، فالتفويض يتيح سرعة في اتخاذ القرارات، والتفويض يساهم بشكل مباشر في إعداد الصف الثاني الذي ينهض بالمسؤولية في المستقبل، والتفويض يؤدي إلى رفع الروح المعنوية للمرؤوسين، والتفويض يتيح للمدير المزيد من الوقت كي يتفرغ للمهام الرئيسية في عمله. وإحقاقاً للحق نقول إن المدير وإن كان يتحمل المسؤولية الأكبر في غياب ثقافة التفويض في مؤسساتنا نتيجة اعتقاده بأنه الوحيد القادر على أداء مهامه على الوجه الأكمل ونتيجة أيضاً لعدم إدراكه للنتائج الإيجابية التي يحققها التفويض، فإن الموظف أيضاً يتحمل جانباً من المسؤولية نتيجة لفقدان ثقته في نفسه في كثير من الأحيان، وعدم رغبته في القيام بمهام إضافية بجانب مهامه الأساسية، فالموظف أيضاً لا يدرك أن قبوله لتفويض بعض المهام إليه وحماسه لذلك الأمر سوف يصقل شخصيته الإدارية، سوف يكسبه خبرات متعددة ومتنوعة، سوف يرفع مكانته في العمل. نقطة البداية في نشر ثقافة التفويض في مؤسساتنا يتعلق بأن يدرك الجميع مديرون ومرؤوسون المنافع المتولدة عنها. مطلوب من المديرين أن يثقوا في قدرات مرؤوسيهم، مطلوب منهم أن يختاروا الأشخاص الذين لديهم القدرة والرغبة في أداء المهام المفوضة منهم، والأهم من ذلك كله هو أن يمنحوهم السلطات اللازمة والقدر الكافي من الحرية في التصرف، ويتقبلوا أخطاءهم في البداية ويساعدونهم على التعلم من هذه الأخطاء ومن ثم عدم تكرارها. مطلوب من الموظف أن يبدي روح المبادرة في طلب تحمل مسؤولية القيام بمهام إضافية، مطلوب منه أن يثق في نفسه، مطلوب أن يقنع رئيسه بكفاءته في العمل. مجتمعنا في واقعه الجديد في أمس الحاجة لانتشار ثقافة التفويض في جميع هيئاته ومؤسساته، ومدير المستقبل من المفترض أن يصنع الآن. [email protected]