من المثير للاهتمام كيف نُحاط بتلك المقولة الشهيرة التي تقول إن "الحكمة تأتي مع الشيخوخة"، وكأن الزمن هو وحده من يُمنح حق إعطاء الدروس. لكن، إذا ألقينا نظرة فاحصة، قد تكون هذه الحكمة مجرد خرافة تناقلتها الأجيال، تشبه الحكايات القديمة والأساطير التي استمرت في الإلقاء عبر الزمن. من نافلة القول إننا ترعرعنا على نصائح كبار السن، وكأنهم يحملون مفاتيح الكون في جيوبهم. "من خاف سلم"، "اسأل مجرب ولا تسأل طبيب"، و"ارض بقردك" كانت جميعها من الوصايا المقدسة التي اعتقدنا أنها ستقودنا إلى الفلاح. ومع ذلك، هل تساءلنا يومًا عن مدى صحة تلك النصائح؟ أليس من الغريب أن ينصحنا من عاشوا في زمن لم يكن فيه الإنترنت، حين كانت المعلومات تُستخرج من كتبٍ عتيقة تُقرأ تحت ضوء الشموع؟ إن الإيمان العميق بأن الكبار دائمًا على حق هو حيلة ذهنية تُشبه تلك التي تجعلنا نصدق أن نثر الملح يمنع الحسد. فهل من الحكمة مثلاً أن يقول أحدهم إن "الوقت كفيل بكل شيء"، بينما نحن نرى من حولنا أن الوقت في بعض الأحيان يصبح عدوًا؟ أو أن "الحياة بسيطة"، بينما نحن نغوص في خضم تعقيدات الحياة، من التحديات اليومية إلى ضغوط العمل؟ إن السخرية تكمن في أننا -رغم كل التجارب التي مررنا بها- نجد أنفسنا نتردد في الاعتراف بأن الكبار قد يكون لديهم آراء لكن ليست بالضرورة صحيحة. لقد استغرق الأمر وقتًا طويلاً لنستوعب هذه الحقيقة، وكأننا كنا نحتاج إلى دليلٍ علمي للبرهنة على أن الحكمة ليست حكرًا على من تخطوا عقدهم الخامس. وفي محصلة السرد، فإن الأمر يستدعي منا أن نحتفظ بمساحة للتفكير النقدي، وأن نكون على استعداد لنقد تلك النصائح التي نعتقد أنها مُقدسة. فالحكمة قد تأتي من تجارب الحياة، وليس من العمر وحده. لذا، لنستمع إلى الكبار، لكن لنأخذ نصائحهم كما نستمع إلى أغاني الرياح: قد تكون لحنًا شجيًا، لكن لا ينبغي أن تقودنا في مساراتنا.